على بعد 36 كيلومترا غرب المدينة الحمراء، تقع مدرسة سيدي الزوين للتعليم الأصيل أو كما يطلق عليها محليا ب"سيد الزوين"، والتي تجاوزت شهرتها الحدود الوطنية، لتصير منذ 190 سنة، فضاء متميزا للقاءات بين علماء كبار والمتعلمين الراغبين في تطوير مداركهم في العلوم الشرعية. وتأسست مدرسة سيد الزوين للتعليق العتيق عام 1246 ه على يد الولي الصالح الشيخ محمد بن محمد بن علي، الملقب ب"الزوين"، حيث شهدت هذه المؤسسة القرآنية عصورا زاهية عبر المراحل التاريخية التي مرت بها، بفضل العناية الخاصة التي كان ولا يزال يوليها لها ملوك الدولة العلوية الشريفة. وفي هذا الإطار، تمثل زيارة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، لهذه المدرسة، لحظة بارزة تكتسي رمزية قوية في تاريخ هذا الصرح المعرفي للعلم والمعرفة، حيث توج فقيد العروبة والإسلام، عناية أسلافه الكرام، بزيارة تاريخية للمدرسة سنة 1987، وأعطى أمره السامي ببناء معلمة فريدة وهي "المركب الحسني" لإيواء الطلبة الذي افتتح في شهر نونبر 1991. وباعتبارها جزءا من المدارس التي حظيت بإشعاع حول مدينة مراكش، التي شكلت على امتداد القرون العاصمة السياسية للمملكة، تعرف هذه المدرسة القرآنية على الصعيد الوطني، بتميزها في مجال تلقين المعارف وتدريس العلوم الدينية، لاسيما قراءات القرآن الكريم. وتخرج من هذه المؤسسة الدينية العديد من الحفاظ المتقنين لمختلف قراءات القرآن الكريم الذين ذاع صيتهم، فأصبحوا رافد أساسيا لتزويد المساجد بالأئمة والخطباء والوعاظ والمؤسسات والمعاهد الدينية بأساتذة العلوم الشرعية واللغوية وأساتذة علم القراءات. واختارت مختلف أفواج الطلبة التي تخرجت من المدرسة المذكورة الاستقرار بمختلف مناطق المملكة، مع المساهمة في إشعاع هذا الصرح الديني في مجال الإسلام السمح والوسطي، على المستوى الوطني وخارج الحدود الوطنية. وجعلت هذه السمعة الحسنة من هذه المؤسسة "مشتلا ومزودا كبيرا" للأئمة والوعاظ والمرشدين للمساجد ومدرسي العلوم الدينية ومختلف القراءات القرآنية بالنسبة للمعاهد ومؤسسات التعليم. وتعد هذه المؤسسة الممتدة على مساحة 15 ألف متر مربع، بمحاذاة ضريح الولي الصالح سيد الزوين، معلمة معمارية فريدة، ساهمت في نشر قيم الإسلام السمح والوسطي، القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وصون وتوطيد التراث الإسلامي والهوية المغربية. وقد حظيت المدرسة بعناية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث عملت على إصلاحها وتوسيعها، وعززت هيئة التدريس بمجموعة من الأساتذة، للإشراف على عملية تحفيظ القرآن الكريم، وتدريس المواد الشرعية، واللغوية الموازية، مع تخصيص مكافأة تشجيعا لهم على العطاء المتواصل. وبالمناسبة، أكد مدير مدرسة سيد الزوين للتعليم العتيق، السيد مصطفى المسعودي، أن هذه المؤسسة تستقبل الطلبة من كافة أنحاء المملكة وكذا من جهة مراكشآسفي، نظرا للصيت الوطني الذي تحظى به، مشيرا إلى أنه برسم الموسم الدراسي 2020-2021، تضم المدرسة 150 طالبا، يؤطرهم 15 مدرسا. وأوضح السيد المسعودي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بالنسبة للنظام الدراسي المعتمد، فقد كانت المدرسة تعتمد النظام القديم قبل صدور وسريان قانون التعليم العتيق 13.01 المتعلق بالتعليم العتيق، الذي ينقسم إلى طورين اثنين. ويتعلق الطور الأول بتحفيظ القرآن الكريم برواية ورش عن نافع عن طريق الأزرق، وطور ثان ينقسم بدوره إلى ثلاثة مستويات، الأول تلقن من خلاله قراءة الإمام ابن كثير المكي ورواية قالون، والمستوى الثاني تلقن خلاله قراءة الإمام أبي عمرو البصري، ثم مستوى ثالث تلقن خلاله بقية القراءات المتممة للسبع وهي قراءات الأئمة ابن عامر والشامي وعاصم والكسائي وحمزة. وأكد أن المدرسة شرعت ابتداء من الموسم الدراسي 2007-2008 في تطبيق قانون التعليم العتيق المشار إليه، حيث أصبحت تتوفر برسم الموسم الدراسي الحالي 2020/2021 على ثلاثة أطوار (المستوى النهائي من الطور الابتدائي، والمستويات الثلاثة من الطور الإعدادي والثانوي، أي بما مجموعه 150 طالبا يؤطرهم 15 أستاذا). وتحتوي هذه المدرسة على مسجد سيد الزوين، وهو مسجد جامع تقام فيه صلاة الجمعة، وقد تم إعادة بنائه وتوسيعه، ثم جناح المركب الحسني الذي يأوي الطلبة، ويضم مائة غرفة مجهزة بكافة التجهيزات، وقد افتتح في وجه الطلبة (الطاقة الاستيعابية 200 طالب). وتتألف أيضا من جناح "الحاج إبراهيم"، الذي بناه أحد المحسنين في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ويضم 44 غرفة بطاقة استيعابية تبلغ 256 طالبا، ثم جناحا خاصا بالأساتذة، ويضم 18 غرفة، وقاعتين مخصصتين لعملية التدريس، وإصلاح ألواح الطلبة، وخزانة تضم الكتب الدينية واللغوية. وأشار المسعودي إلى أنه بسبب الأزمة الصحية الحالية، اعتمدت المدرسة نمط التعليم عن بعد بهدف تفادي الاكتظاظ والاختلاط بين الطلبة داخل قاعات الإيواء، أو المطعمة أو قاعات الدرس، مضيفا أن الهدف من هذه الخطوة يتمثل في مكافحة انتشار فيروس كورونا حماية صحة وسلامة الطلبة. وعلى صعيد آخر، مكنت جولة قام بها فريق القناة الإخبارية لوكالة المغرب العربي للأنباء (M24) بين مختلف مرافق هذه المدرسة العتيقة من معاينة الشروط الفضلى التي تتيحها هذه المدرسة لإيواء الطلبة، الذين يستفيدون من تكفل تام من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قصد تمكينهم من التفرغ لدراستهم وتكوينهم. وإلى جانب توفيرها لتعليم رصين للدين الإسلامي والعلوم المتصلة به، فإن المؤسسة سرعان ما بادرت إلى تعزيز كفاءات طلبتها وتيسير اندماجهم بالمحيط السوسيو-مهني، وذلك عبر تدريس اللغات الحية والانفتاح على العلوم الحديثة، والتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال وغيرها. وتنبع هذه الخطوة من انشغال كبير يتمثل في تمكين الطلبة من التميز والقدرة على مواكبة التحولات الطارئة على الصعيد العالمي.