أكدت مدينة الداخلة، أيقونة الأقاليم الجنوبية للمملكة، خلال هذه السنة التي تشرف على نهايتها، موقعها المستقبلي كمركز دبلوماسي وقنصلي وقطب اقتصادي وجسر للتعاون الدولي بين المغرب وعمقه الإفريقي وشريكه الأوروبي. وهكذا، انتقلت الداخلة، التي احتضنت خلال سنة 2020 العديد من القنصليات العامة لبلدان شقيقة وصديقة، من فضاء طبيعي فريد يمزج بين رمال الصحراء وزرقة البحر وقوة الرياح وروعة الخليج إلى محور للدبلوماسية والدعم السياسي دفاعا عن ملف الوحدة الترابية للمملكة. ومنذ بداية السنة الحالية، شهدت لؤلؤة الجنوب المغربي دينامية دبلوماسية قوية بافتتاح القنصليات العامة لكل من غامبيا وغينيا وجيبوتي وليبيريا وبوركينا فاسو وغينيا بيساو، وغينيا الاستوائية، والكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى هايتي التي أضحت أول بلد غير عربي وغير إفريقي يفتح قنصلية في الصحراء المغربية. وتوجت هذه الدينامية الدبلوماسية الفعالة بإصدار دونالد ترامب، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال اتصال هاتفي مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية. وفي هذا السياق، وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية الهامة، قررت الولاياتالمتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة. ويأتي هذا الموقف البناء للولايات المتحدةالأمريكية، لتعزيز دينامية ترسيخ مغربية الصحراء، التي أكدتها المواقف الداعمة لمجموعة من الدول الصديقة، وكذا قرارات العديد من الدول بفتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة. لقد ساهم توالي فتح التمثيليات الدبلوماسية بحاضرة الجنوب المغربي، في تعزيز انخراط جهة الداخلة - وادي الذهب برمتها في إطار دينامية سياسية واقتصادية متسارعة تروم خدمة القضية الوطنية الأولى للمملكة، وتوثيق أواصر الشراكة والتعاون مع بلدان القارة الإفريقية. كما تمخض عن هذا الزخم الدولي، الذي تعيش الداخلة على إيقاعه منذ أشهر، تطور لافت في الدور المنوط بحاضرة إقليم وادي الذهب، من وجهة سياحية ورياضية واعدة إلى مركز قنصلي صاعد ودعامة اقتصادية متنامية بإمكانها المساهمة بقوة في توطيد أسس الروابط والشراكة التي تجمع بين المغرب وبلدان عربية وإفريقية صديقة على نحو متزايد. وانطلاقا من هذه المعطيات، تتطلع مدينة الداخلة، والجهة عموما، إلى الانخراط بقوة في كل المبادرات الرامية إلى النهوض بالتعاون جنوب - جنوب في كل جوانبه، والمساهمة بنصيبها في تعزيز فرص التنمية، وجذب الاستثمارات الوطنية والدولية، لاسيما مع بلدان القارة الإفريقية، وذلك انسجاما مع الرؤية الملكية في هذا الإطار. وفضلا عن رمزيته السياسية والقانونية، سيعمل قرار فتح هذه التمثيليات القنصلية على تعزيز آليات التفاعل والتعاون مع مختلف الجاليات الإفريقية المقيمة في جهة الداخلة - وادي الذهب في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية، بالإضافة إلى دعم استفادة الطلبة الأفارقة في مؤسسات التكوين والتعليم العالي بالجهة. ويمثل تزايد الاهتمام من قبل البلدان الصديقة والشقيقة بفتح قنصلياتها العامة بالداخلة خصوصا والأقاليم الجنوبية عموما، تعبيرا قانونيا وسياديا واضحا عن دعمها ومساندتها واعترافها الصريح بمغربية الصحراء، مما يعد تكريسا للدينامية الإيجابية التي يعرفها ملف الوحدة الترابية للمملكة على الصعيدين القاري والدولي. وبالموازاة مع تسارع فتح التمثيليات القنصلية في مدينة الداخلة، تعرف الجهة دينامية قوية في مجال البنيات التحتية مع إطلاق مشاريع كبرى أخرى من قبيل الطريق السريع تزنيت - الداخلة وميناء الداخلة الأطلسي ومشاريع أخرى اقتصادية وطاقية. وفي هذا الصدد، يتطلع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يأتي في سياق المشاريع المهيكلة المتضمنة في النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، إلى تعزيز الموقع الاستراتيجي لجهة الداخلة - وادي الذهب كحلقة وصل بين المغرب وإفريقيا وأوروبا، ودعامة للتنمية الاقتصادية الجهوية، لاسيما في قطاعي التجارة الخارجية والصيد البحري. كما يندرج هذا المشروع الجديد، الذي رصدت له نحو 10 مليارات درهم، في إطار برنامج مندمج يهدف إلى إحداث قطب مينائي متكامل يضم البنيات التحتية للربط ذات الصلة (جسر بحري وطرق)، ومنطقة للأنشطة الصناعية المتعلقة بالصيد البحري، ومنطقة صناعية ولوجيستية وبنيات تحتية أخرى (محطة لتحلية مياه البحر وغيرها..). وسيتعزز الموقع الجيو-اقتصادي لجهة الداخلة - وادي الذهب بالطريق السريع تزنيت - الداخلة، الممتد على مسافة 1055 كيلومتر وبكلفة تناهز 10 مليارات درهم، مما سيمكن الجهة من ربط قوي وآمن بعدد من البلدان التي تشكل العمق الإفريقي للمغرب. ويعد هذا المشروع الطرقي، الذي يندرج بدوره في إطار مشاريع النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، دعامة رئيسية من شأنها تعزيز دينامية التنمية السوسيو-اقتصادية بالأقاليم الجنوبية. على صعيد آخر، من المرتقب أن تحتضن الجهة مشروعا طاقيا رائدا، بعدما أعلنت الشركة الأمريكية الناشئة "سولونا تكنولوجي وإي إم ويند" عزمها بناء مزرعة ريحية بقدرة إنتاجية تبلغ 900 ميغاواط في الداخلة على مساحة 11 ألفا و313 هكتار، من أجل تزويد خوادم مخصصة لتكنولوجيا سلسلة الكتل، باستثمار مبدئي قدره 15 مليار درهم. ويلتزم هذا المشروع بتوفير الطاقة الخضراء بنسبة 100 في المئة وتطويرها، مع العمل على دعم الاقتصاد المحلي، وإحداث فرص الشغل، ودعم التعليم والتكوين، وتوفير طاقة نظيفة. لقد تضافرت العديد من الأحداث والمبادرات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمشاريع المهيكلة الكبرى لتشكل إضافة نوعية من المرتقب أن تضطلع بدور كبير في سياق دعم الجهود التنموية بجهة الداخلة - وادي الذهب.