الشكّ والتشكيك الآن يمكن الحديث على أن المدرب بن حساين استطاع في زمن قياسي وعلى امتداد ثلاث مباريات فقط، أن ينتقل بالمحيط الضيّق للفريق وبقطاع من المشككين والمعارضين والمتوجّسين ، بل حتّى بلاعبي الفريق أنفسهم وبالجماهير التي طالبت بمنحه الفرصة كاملة وبالإعلام الرياضي، من مرحلة الشكّ في كفاءته وقدرته على إدارة المغرب التطواني، وركوب مغامرة إنقاذه ، إلى بداية الإيمان والثقة في اختياراته التقنية والتكتيكية وتعاطيه الواعي والمدروس مع كل اللقاءات الصعبة التي خاضها قائدا للماط إلى حدود الساعة.. بل هناك من كان يتوقّع أن اسم بنحساين ستلتهمه نيران الهزائم قبل أن" يسخّن مقعده على دكّة الاحتياط"، وهناك من اعتبر أن استقدام بن حساين والفريق يتخبّط في أزمة النتائج قابعا في المرتبة الأخيرة، مجرّد جبر لخواطر قطاع واسع من الجمهور الذي ردّد اسمه مرارا وتكرارا، وللصحافة المنتقدة بشكل غيور وبناء للأخطاء ، أو توريطا لابن حساين في براثين الفشل، من أجل طيّ صورته والتخلّص منها إلى غير رجعة . بل أكثر من ذلك، هناك من النابهين وحكماء الكرة الواهمين ، من كان يعتبر أن أزمة المغرب التطواني مركّبة ولا حلّ لها، وأن الفريق قد ودّع طبقا لنتائجه ومشاكله قسم الصفوة، وأن مسألة تغيير المدرّبين تحصيل حاصل، ولايهمّ في هذا السياق إن كان المدرب اسمه الصحابي أو بنشيخة أو فرتوت أو مورينيو حتىّ. ولم تكن الشكوك تحوم حول كفاءة بن حساين فقط، بل سبقه التشكيك في كل اللاعبين، سواء الذين تم استقدامهم في بداية الموسم وبالفعل منهم كثير من الخردة ، وفي اللاعبين الذين تكوّنوا في مدارس المغرب التطواني، وتدرّجوا في كل فئاته أبطالا ولعبوا في فئات المنتخبات الوطنية ومنهم من فاز بألقاب دولية، وبخصوص هؤلاء شكّك فيهم سماسرة الكرة بهدف استقدام الخردة والانتفاع المادّي، وساندتهم للأسف أطر ليست على مستوى تقييم المؤهلات والقدرات ، كما انتقلت عيون الشك للاعبين الذين فازوا بالبطولات والألقاب مع الفريق، وشاركوه في التظاهرات القارية والعالمية، وامتدّت كذلك ، حتى إلى من تم التعاقد معهم مؤخّرا تحت وطأة استمرار الهزائم ، وتبقى أسوأ تبريرات الفشل والعجز وأزمة النتائج تلك التي يطلقها المدربون ضدّ اللاعبين .. 2- بداية الإيمان : المدرب بن حساين، ليس بالقاصر ولا بالساذج أو المتهوّر على حدّ تعبيره لكي يقبل عبثا تدريب فريق لم يراكم سوى 10 نقط من أصل 18 مباراة في مؤخرة الترتيب، ونفسية لاعبيه منهارة في الحضيض لولا أنه فريقه الأم ولولا شخصيته وقدرته، نفسه بنحساين يدرك أن الفرصة لم تكن لتمنح له والفريق في مرحلة رخاء أو ازدهار مالي ، ليس لأن "ابن الحي لايطرب" كما يظن ويقول الكثيرون ، خاصّة وأن رئيس الفريق نفسهن إذا ما راجعنا تصريحاته على امتداد سنوات كان يشيد بمجهودات بن حساين ويعتبره إطارا تقنيا تألّق ضمن النجاحات والبطولات التي حققها الماط على زمن نجاحات ظاهرة أبرون في تسييره للفريق، ذات الرئيس منح بن حساين فرصة مساعدة كل من الناخب الوطني امحمد فاخر، وتودوروف، وعبد الرحيم طاليب وجودار وعزيز العامري وتدريب فريق الأمل أكثر من مرة ، وعرض عليه أكثر من مرة للحقيقة وللموضوعية، أن يكون مساعدا للمدرب الإسباني سرخيو لوبيرا وغيره لكنه رفض باحترام وأدب وهو الحاصل على دبلومات درجة أ ، والمساهم في تحقيق ألقاب الفريق، ولكونه أصبح يمتلك رؤية وفلسفة خاصة به في إدارة الفرق.. نعم وللموضوعية أيضا هناك تصريحات أخرى انتقصت إلى حدّ ما من قيمة بن حساين، ولكنّها ليست معادية بالمعنى الاحترافي، مادام الفريق كان من حقه أيضا أن يطمح إلى التعاقد مع مدربين كبار ، ولم يكن من بين من يسيرون النادي – وليس بالضرورة رئيسه- ، أو من حاموا صدفة في دائرته ، يؤمنون أن ابن حساين بإمكانه أن يصبح كبيرا في عالم التدريب. وطبعا يبقى من حقّ الناس أن يعتقدوا ما شاؤوا إلى أن تثبت الوقائع والنتائج زيف المعتقدات.. وخلال 3 مقابلات صعبة ضد فريق سريع واد وم المهدد هو الآخر بالاندحار، والوداد البيضاوي بطل المغرب، وبطل عصبة الأبطال والسوبر الإفريقي، والجيش الملكي الفائز في آخر مباراة على المتصدّر اتحاد طنجة الممتلك لنجوم من قبيل بنرحمة والقديوي وإجروتن واللمطي والبزغودي ودياوادارا، واستطاع بن حساين أن يحصد 7 نقط خلال هذه النزالات ، وأن يحافظ على نظافة شباك حارسه. بن حساين، له أسلوبه الخاص، وثقافته الواسعة في التواصل مع اللاعبين، الذين أصبحت تربطهم بهم كيمياء عابرة للأرواح، ملحوظة على أرضية الملعب. لأن المدرب بن حساين يدرك جيدا مفاهيم الأزمة والفراغ والانتكاسة والإحباط واليأس والتدمر والرفض والعصيان، ويفضّل في لغته كمدرب استعمال اللغة الإيجابية من طراز الثقة والأمل والتحدي والإرادة والقدرة والمسؤولية والانضباط والتنظيم والتركيز والجاهزية وتقدير النفس والتحكم في الذات والطموح والتطلع والبطولة الجماعية التي ينتفي معها الحديث عن نجم الفريق/ واسطار منفرد..فكما نؤمن بسينما المؤلّف، يجب أن نؤمن بفريق المدرب أيضا.. فأسلوب بن حساين خلال المباريات الثلاث كان مؤسسا على مفهوم البلوك المتراصّ دفاعا وهجوما، وعلى خطوط متوازنة، وعلى التفوق العددي في وضعيتي التنشيط الدفاعي والهجومي، وعلى الضغط على حامل الكرة وعلى ربح الثنائيات ، واحتلال وسط الميدان ..وعلى الهجمة الموجهة والمنظمة، وعلى الحملات المضادة أيضا، وعلى اللعب العمودي تارة، وعلى الاحتفاظ على الكرة بوصفها السلاح القاتل الذي لا يمكن منحه للغيورن وعلى الكرة الطويلة والقصيرة والمترابطات والعرضيات… وخطته التكتيكية تنوعت في كل مباراة بناء على قراءة دقيقة للخصوم الثلاثة، وتوظيفه للاعبين بناء على هذه القراءة، ويحسب لابن حساين أنه يؤمن بان الفريق يلعب كما يتدرب ، وأن كل التفاصيل والوضعيات في المباريات يجب التمرن عليها، كما أنه أعاد لاعبين من غياهب الإهمال من قبيل زهير نعيم، وليد الخلدوني، ومحمد المكعازي وأنس جبرون، ووظف العيوط والمهدي العروسي في قلب الدفاع، وآمن بقدرات الشخصي مدافعا أيمنا، والكورش مهاجما حاسما، وتعامل مع الإصابات والغيابات بتبصّر، وأقنع مرتضى فال وياسين الصالحي أن تجربتهم وتميّزهم الحقيقي أن يكونوا رهن إشارة مصلحة الفريق، وأن المغرب التطواني تنتظره لقاءات صعبة وحاسمة ، يلعبها مباراة مباراة ، وأن لكل لاعب حضور ضروري ومرتقب فيها، ولحظاته الحاسمة، وأن تجربة الكبار تساعد المدرب في إدارة الفريق وخلق أجواء الأمل، بنحساين له قدرة على تعليل أسلوبه وخطته، مقنع أثناء تصحيح أخطاء اللاعبين، تحس به صامدا وهو يدير المباريات .. وفعلا وفي زمن قياسي، وكأن بن حساين لم يغب أبدا عن فريق المغرب التطواني ، استطاع أن سوسع دائرة اختياراته، وأن يقنع اللاعبين بحقيقة الوضع، أن يحقق الانسجام، أن يرتقي بمستوى لعب الفريق ويغير صورته تماما ، أن يرفع من الإيقاع والاندفاع، أن يعمق ثقة اللاعبين والجماهير، وأصبح حلم الانعتاق من الدرجة الثانية يعادل حلم الفوز بالبطولة عند كل مكونات الفريق مع توالي النتائج الإيجابية.. وأصبحت لغة الشك التشكيك لطيفة مع بنحساين ، واستبدلت بعبارة " مازالت هناك مباريات صعبة "..لكن على مسار الحلم " تعالوا جميعا نغني أنشودة الأمل ".