أسقط المدرب بنحساين أسطوانة " لقاء المتناقضات" التي كرّرها الخطاب الإعلامي الريّاضي على مسامع المتتبعين والجمهور طيلة أسبوع، وحوّله إلى "لقاء المتكافئات"، وكسّر تكهّنات كلّ من توقّع المغرب التطواني لقمة سائغة للوداد، المتربّص بكوكبة طليعة البطولة ب28 نقطة ، والّذي كان يأمل معانقة 31 نقطة، ليصبح على الأقل ثالثا في سباق البطولة الاحترافية.. خاصة بعد أن فاز في خمس لقاءات متتالية ، وسجّل سيلا من 18 هدفا خلالهان بمعدل 4 إصابات تقريبا في كل نزال ، وظهر متوهّجا كاسحا ومتفوّقا مع الثعلب التونسي شيخ المدربين البنزرتي، المتصدّر لهرم الألقاب ضمن لائحة المدربين العرب.. ومن جهته نقل المدرب التطواني عبد الواحد بنحساين شخصيته وروحه الكاريزميتين للاعب فريقه، وضخ أجواء و دماء التحدي والأمل في مجموعته ، وجرّب هذه المرة في مباراة الوداد نهجا تكتيكيا مغايرا للأسلوب الذي يحبّ أن يرسمه لفريقه أثناء الاستقبال بميدانه 4/2/3/1، وواجه بطل إفريقيا وسوبر القارة بخطة 4 /4/2 بتنشيط دفاعي استثنائي واضح التنظيم والمعالم، ليخنق القوة الضاربة للوداد في وسط الميدان، ويطبق ويوصد المنافذ عبر الأجنحة حيث صعود الظهيرين الناهري، ونصير أومعوّضه الهاشمي ، إضافة إلى الجناحين تغزيوي ومحمد الحداد، وكلّهم يخلقون وضعيات تفوّق عددي، وانتقالات سريعة ، وتنويع متميز في بناء الهجمات، ترهق دفاعات كل الفرق الوطنية والإفريقية على حد سواء. تفوٌّق الخط الدفاعي المتراصّ للمغرب التطواني ، وبرز ذكاء بنحساين واشتغاله طيلة أسبوع من التداريب مع الشخصي مدافعا أيمنا، واكتشافه للعيوض منذ مباراة سريع واد زم مدافعا محوريا، يلعب بالرجل اليسرى بجدّية وأناقة متناهيتين، على غرار ما تمتلكه الفرق العالمية الكبرى، إضافة إلى ما أصبح يتمتع به المهدي العروسي من ثقة لافتة ، ومن تموضعات جيدة كمحور دفاع ثان، إلى جانب حمزة المساوي سيّد الجهة اليسرى بدون منازع، مدافعا ومباغتا في الهجوم قادما من الخلف وممررا للعرضيات بل وقادرا على تسجيل الأهداف حتّى. وفرض بنحساين في وسط الميدان قوة ونصير الميموني ومابيدي على النقاش والسعيدي، وكانت عودة الواصلي إلى حدود إصابته، وزهير نعيم حاسمة للعب الأدوار الدفاعية والمؤازرة أيضا حيث شارك نعيم والواصلي في منع الوداد من التسجيل أيضا وغن لم يسجلا على الحارس العروبي ، فيما اختار أن يلعب بنحساين بياسين الصالحي والكرش مهاجمين على خط ثنائي مائل.. هذا النهج التكتيكي العقلاني والواقعي، جعل المباراة معركة متكافئة على الأقل ، كما منح فرص التسجيل للفريقين معا ، بل كان المغرب التطواني سبّاقا في الوصول إلى مرمى العروبي في مناسبتين مع الواصلي الذي أضاع الفرصة الأولى في الدقيقة 11 ، وفي المناسبة التي باغث فيها حمزة المساوي خط دفاع الوداد قادما من الخلف ، ومكسرا لوضعية الشرود، حيث أسقطه العروبي بعد مراوغته، ولم يمنحه الحكم ورقة حمراء .. وفي مناسبة أخرى وفي الشوط الثاني ضيع فرصة سانحة للتسجيل في الدقيقة 60 حين سدد منفردا من زاوية مغلقة.. ولم تكن اختيارات بن حساين عشوائية، بل كانت خطته التكتيكية مدروسة ومحكمة، وأحدث اشتغاله عليها طيلة أسبوع انسجاما وتنظيما واضحين، ولم ترتكب إلا أخطاء محسوبة على رؤوس الأصابع على مستوى الدفاع، كما كانت الهجمات المضادة وإن كانت قليلة بالغة الخطورة وإن لم يتم استغلالها.. وعموما شاهدنا مباراة من مستوى رفيع، وإيقاع سريع ، واندفاع بدني هائل، أدّى إلى تعب واستنزاف طاقات اللاعبينن حيث أصيب أربعة لاعبين من الفريقين ، يتعلق الأمر بنصير والحداد من الوداد، والواصلي والكرش من الماط بسبب الجهد.. وأثبتت أطوار اللقاء أن بنحساين مدرّب من طراز مغاير، خبير بالبطولة المغربية، عارف بتوظيف قدرات اللاعبين، يتقن تنويع الخطط التكتيكية وتغييرها ، قارئ متميز لأطوار اللقاءات، لا ينقل الخوف إلى لاعبيه، ويدرك التوقيت الحاسم لتغيير اللاعبين، وله قدرة استثنائية على إدارة الفريق وضبط إيقاعاته، يتفاعل مع اللقاء من بدايته غلى نهايته، لهذا كان يستحق أن يكون قائدا للماط منذ سنوات ، تفاديا للقطيعة مع زمن الألقاب والبطولات..