حين أقرّت إسبانيا مشروع قانون يسمح لأحفاد اليهود "السفارديم"، الذين تمّ طردهم من البلاد سنة 1492، بالحصول على الجنسية الإسبانية، كان من بين التعليلات الأساسية التي تذرّعت بها أنها تقوم بتصحيح ما اعتبرته "خطأ تاريخيا". يتمثّل هذا "الخطأ التاريخي" في سياسة التطهير العرقي والديني، الرسمية، التي نفّذتها الملكة إيزابيل وزوجها الملك فرديناند، في حق المسلمين، وتحديدا في حق المغاربة الذين كانوا في طليعة القوم الذين تعرضوا للإبادة، ناهيك عن عمليات الاعتقال والاضطهاد والتعذيب والقتل. ومع ذلك، فإن مدريد تقرأ التاريخ من الزاوية التي تريدها، وتعاود ممارسة نفس السياسة التمييزية التي عانى منها المغاربة في ذلك الزمن. وهي إن كانت تريد تصحيح "خطأ تاريخي"، فإنها ترتكب خطأ فظيعا في عملية التصحيح، علما بأن جزءا مهما من اليهود الذين فرّوا بجلدهم من إسبانيا لجأوا مباشرة إلى المغرب الذي وجدوا فيه الحضن الدافئ الذي أنساهم معاناتهم الطويلة بالديار الإسبانية في ذلك العهد. المثير في الأمر أن "البوليساريو" تطالب الحكومة الإسبانية بمساواة الصحراويين الذين تحتجزهم في سجونها الكبيرة بتندوف، مع اليهود، واعتبار المحتجزين من نفس فئة اليهود، كما تعيب عليها رفضها منح الجنسية الإسبانية لهم مع أنه لا وجود لوجه المقارنة، فبالأحرى الشبه، بين وضع اليهود "السفارديم" ووضع الصحراويين المحتجزين. ومع ذلك، فإن جبهة الانفصاليين لها "جبهة صحيحة" وهي تطالب مدريد بتصحيح خطئها بدون أن يرفّ لها جفن. كل ما تطالب به جبهة الانفصاليين هو أن تتكرّم إسبانيا وتتفضّل بتوسيع لائحة المستفيدين من جنسيتها لتشمل الصحراويين المحتجزين. ولم يجد الانفصاليون وسيلة للافتراء، كعادتهم، سوى التذرّع بأن هؤلاء الصحراويين جاؤوا من المستعمرات الإسبانية السابقة، أي من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية قبل استرجاعها من السلطات الاستعمارية الإسبانية. ولذلك، فهي ("البوليساريو") لا تخجل من المطالبة بتوسيع هذا القانون مع أنها ليست في العير ولا في النفير، وأن المحتجزين لديها يستحقّون مساواتهم باليهود "السفارديم" بتمتيعهم بالجنسية الإسبانية، مع أن الوضع بين هؤلاء وأولئك مختلف تمام الاختلاف. الحقيقة هي أن "جبهة البوليساريو" ارتأت أن الفرصة مواتية للركوب على قضية التجنيس، خاصة بعد رفض مدريد طلبات العديد من الانفصاليين الذين دسّتهم الجبهة ضمن لوائح الراغبين في الحصول على هذه الجنسية لخدمة أجندات من يسهرون على رعاية "البوليساريو" ودعمها، ويرسمون لها السياسة التي يجب نهجها وتطبيقها بالحرف الواحد، ويملون عليها ما ينبغي عمله، ما دامت أن جبهة الانفصاليين عاجزة عن التصرف وليست مؤهّلة للخوض في مثل هذه الأمور، فبالأحرى اتخاذ القرار المناسب. "البوليساريو" سرعان ما تفضح نفسها بنفسها حين تطالب فقط بمنح الجنسية للشباب الذين يقيمون في إسبانيا منذ الصغر، وللطلبة الذين يتابعون دراستهم بها. وكعادتها دائما، تهرب طغمة الانفصاليين من الكشف عن الحقيقة بحديثها عن "الشباب الذين يقيمون في إسبانيا منذ الصغر" خوفا من افتضاح أمرها أمام الصحراويين المحتجزين الذين أخذت منهم أبناءهم ورمت بهم في أحضان العائلات الإسبانية قصد تبنّيهم والتكفّل بهم بثمن بخس. وما قضية السيدة محجوبة ببعيدة. ولإضفاء بعض التوابل (الحارّة) على موقفها تلحق "الطلبة" بالشباب المقيمين في إسبانيا ضمن طلب الاستفادة من عملية التجنيس للاعتماد عليهم مستقبلا في تنفيذ سياسة داعمي الانفصال وخصوم المغرب، هذا إذا لم يحدث انشقاق في صفوفهم والعودة إلى أحضان الوطن الأب: المغرب. ولا ينتظرون سوى الفرصة المواتية لتحقيق ذلك. بعد أن خاب أمل جبهة الانفصاليين ومن يدفعونها لارتكاب الحماقات في حق الصحراويين المغاربة المحتجزين في تندوف، في دفع الحكومة الإسبانية بالاعتراف بكيانهم الوهمي، ها هي تصطف في مؤخّرة صفوف اليهود "السفارديم" وهي تتسوّل في إسبانيا عسى أن تجد من يجود عليها بتجنيس بعض فصائلها لكي يكون لها موطئ قدم قوي داخل المجتمع الإسباني.