في هذه السلسلة نرصد تطور حركة الجهاديين المغاربة منذ السبعينات وإلى اليوم، وكيف انتقلت من الحلم "الثوري" إلى حركات التكفيريين. نحاول الجواب عن سؤال كيف تطورت وأين يلتقي الجهاديون في الأفكار. وما هي خطورة التطور التي عرفتها حركة الجهاديين. ونتحدث عن التوبة والعودة إلى المغرب. وعن التهديد الذي يشكلونه. نتحدث عن جيل جديد تدرب على السلاح وتفكيكه وتركيبه وصناعته واستعماله. بخلاف باقي الأجيال السابقة إنه جيل جرب المفخخات وصناعتها عندما نتحدث عن الجيل الرابع من الجهاديين المغاربة فإننا لا نتحدث عن جيل موجود الآن. غير أن الجيل الثالث، الذي نشأ بعد نشأة تنظيم القاعدة، وانشقاق أسامة بن لادن عن المخابرات الأمريكية والسعودية، يوجد في مرحلة مخاض وولادة، بل إن هناك أطوار في النشأة والتكوين لمولود جديد من رحمه. إنه جيل جديد مختلف عن باقي الأجيال. ملح أرضه من الجيل الثالث الذي قاتل في العراقوسوريا. هو جيل رابع بعد العودة إلى المغرب. ليس بلدنا بمنأى عن الإرهاب وقد ذاق ويلاته وضاق ذرعا بمن يحتضن الإرهابيين. إذن المغرب ليس بلد انتماء للإرهابي، الذي لا يؤمن بالوطن، كما أنه ليس بلد عبور نحو آفاق أخرى لممارسة القتل والتخريب. المغرب أرض مستهدفة من قبل المشروع الإرهابي. ولهذا وجب رصد الجيل الرابع من الجهاديين المغاربة قيد التكوين. إنه الآن يرضع حليب الكراهية للمغرب. ينمو. يرتع في حقل خصب. يتدرب ويلعب ويلهو. إنه الآن طفل يقفز نحو المجهول. لا يلعب بالدمى والمجسمات ولكن يلعب بالسلاح الناري. تآلف مع الكلاشينكوف وعانق الصواريخ المحمولة على الأكتاف. بخلاف باقي الأجيال السابقة إنه جيل جرب المفخخات وصناعتها. تعامل بالسلاح تفكيكا وتركيبا. تدرب على حرب الشوارع. واجه جيشا قويا. فالجيش السوري يحمل عقائد وليس جيشا وظيفيا. فهو مكون من طلائع البعث وشبيبته وبالتالي هو يحمل إيديولوجية. جيش من هذا النوع يكون مختلفا عن الجيوش الأخرى في المراس وفي الحروب. الجيل الجديد من الجهاديين، الذي هو الآن في مصنع التكوين بسوريا، تحول من الخلايا العنقودية لتنظيم القاعدة إلى تشكيل جيش كامل في إحدى الحالات. إنها حالة شام الإسلام التي أسسها إبراهيم بنشقرون العلمي. هذا الأخير قُتل في أحراش سوريا فيما سمي معركة الأنفال، التي تم تنفيذها بعبور آلاف الجهاديين من تركيا. تكون في أفغانستان وتشرب الكراهية في معتقل غوانتانامو. غوانتانامو هو بمثابة "الجهاد" الذي يأكل أبناءه. فبنشقرون ومن شاكله ذهب إلى أفغانستان تحت سمع ورؤى أمريكا. يومها كان "الشيخ المجاهد" أسامة بن لادن يشرف على معسكرات تدريب المجاهدين العرب برعاية المخابرات الأمريكية والسعودية والباكستانية. كان الشعار هو محاربة الغزو السوفياتي الملحد. أتى الجهاد أكله واندحر السوفيات وسقط القطب المعادل لأمريكا وانفردت أمريكا بالعالم. فأكل الجهاد الأمريكي أبناءه. ومع بداية قضم وتقليم أظافر المجاهدين انشق أسامة بن لادن. إبراهيم بنشقرون واحد ممن أكلهم الجهاد وهم من أبنائه. هذا الشخص "نص نص" أي أن نصفه مغربي ونصفه سينغالي رجع محبطا. بحث عن أرض جديدة لممارسة الجهاد المقدس. حاول تأسيس تنظيم جديد في المغرب وتم تفكيكه. فلما اندلعت الأزمة السورية رحل هناك. الغرض حسب تنظيم القاعدة الذي ما زال يعتبر المغرب أرض قتال وجهاد ليس هو إسقاط النظام السوري. وليس المساهمة في ذلك. ولكن استغلال الوجود هناك لتمحيص الإخوة وفتل عضلاتهم وتلقي التكوين قصد العودة للمغرب لممارسة المشروع التخريبي. اليوم يتحدث الكثيرون. جمعيات حقوقية مثل منتدى الكرامة لحقوق الإنسان وحركة التوحيد والإصلاح والمعتقلون على خلفية تهجير الشباب إلى سوريا أو الهجرة إلى القتال، عن توبة المقاتلين المغاربة بسوريا. توبة بحجم الخسارة. فكلما فشل مشروع إرهابي يعود الجهاديون ومن يدعمهم إلى الحديث عن التوبة. فلو نجح المشروع الإرهابي، الذي تمخضت عنه أحداث 16 ماي العنيفة، وحقق أهدافه، لا قدر الله، هل كنا سنسمع عن وثيقة أنصفونا لأبي حفص محمد عبد الوهاب رفيقي، وعن وثيقة المراجعات لحسن الخطاب وعن غيرها من الوثائق التي تتحدث عن مراجعة الأفكار؟ المراجعات يقوم بها الإنسان المنتصر أو الذي يوجد في ظروف عادية، لكن الذي انهزم فحديثه عن المراجعات، حتى لو كان صادقا فهو من باب الانحناء للعاصفة. فالمراجعات أنتجت عددا من الخارجين من السجن. أغلبهم ذهب إلى سوريا للقتال. انضم بعضهم لجبهة النصرة وانضم آخرون للدولة الإسلامية في العراق والشام، وقاتل بعضهم بعضا، وأسس آخرون حركة شام الإسلام. وينص ميثاق الحركة على أن "الجهاد ليس موجها ضد الغزاة فقط، بل يشمل المرتدين أيضا". ويقول الميثاق إن "كل من ظاهر المرتدين وقاتل المسلمين والمجاهدين، وأعان على ذلك من جنودهم وشرطتهم ورجال أمنهم وأعوانهم الذين يدافعون عنهم ويأتمرون بأمرهم، داخل في طائفة الردة العامة الواجب قتالها". وإن "جميع المذاهب الفكرية، من شيوعية واشتراكية وقومية وعلمانية وليبرالية، وغير ذلك من أوجه الانتماء الفكري والعقدي لغير ملة الإسلام وهويته، دعوات كفر وضلالة". وبعدما علقوا في الحدود التركية السورية أعلنوا التوبة. لو نجح المشروع الإرهابي في سوريا هل كانوا سيعلنون التوبة؟ ادريس عدار