يبدو أن الطلاق بين حكومة بنكيران وبين المركزيات النقابية يقف على أبوابه النهائية، ولم يبق سوى تقطيع شعرة معاوية بين الطرفين، وكما يقال لقد وصل السيل الزبى ولم تعد المركزيات قادرة على إقناع أعضائها بالصبر أكثر على إجراءات الحكومة، وعلى إغلاق باب الحوار وتمسك بنكيران ومن معه بقرارات انفرادية جاءت كلها لضرب القدرة الشرائية للمواطنين وسحق طبقة الأجراء والفقراء. بعد استنفاد كل السبل لحل المشاكل وبعد أن رفض بنكيران الإنصات لصوت العقل والضمير الحي وبعد أن تخلى عن كل وعوده الانتخابية، قررت النقابات الخروج للشارع في رسالة إنذارية للحكومة قبل أن تخطو خطوات أخرى في سياق المواجهة مع حكومة لا شغل لها سوى الجرأة على كل ما هو اجتماعي. فالمسيرة تأتي نتيجة تعطل مسار الحوار الاجتماعي وتماطل الحكومة ونهجها سياسة التسويف في حل مشاكل العمال والأجراء، وفق ما أعلنه زعماء المركزيات النقابية. فلا يوجد في العالم حكومة تغلق باب الحوار الاجتماعي لأنه الوسيلة الوحيدة لمعالجة الإشكالات المطروحة على العمل والعمال، وحل الأسئلة العالقة والتفاوض حول القوانين والرواتب والأداءات. فإغلاق الحوار الاجتماعي معناه زيادة التوتر والضغط على الطبقة العاملة وفئات المأجورين والفقراء، وهو في الوقت نفسه نوع من الضغط على أرباب العمل الذين لا يمكن أن يدخلوا في مفاوضات استراتيجية مع النقابات دون أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها. فما أقدمت عليه حكومة بنكيران مخالف تماما لقوانين العمل الدولية، التي تشترط حوارات ثلاثية بين الحكومة وممثلي القطاعات المعنية، أي القطاعين العام والخصوصي، وممثلي العمال والموظفين أي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية وأخيرا الباطرونا أي المشغل. الحكومة أي حكومة تفتح مفاوضات حول الملفات المطلبية للمركزيات النقابية وتحث على فتح الحوار مع النقابات في القطاعات، فالحكومة دورها إطفاء الحرائق وليس إشعالها. لكن يظهر جليا أن الحكومة متخصصة في إشعال الحرائق. فالحكومة سواء في نسختها الأولى أو نسختها الثانية تقوم بأعمال غاية في الوقاحة والهدف منها هو إشعال الحرائق في المجتمع، وقد أوضحنا في أكثر من سياق أن حزب العدالة والتنمية يفضل الفوضى على الاستقرار لأن الأوضاع الطبيعية تظهره حزبا ضعيفا. فأخطر أنواع الحكومات هي تلك التي يتم انتخابها وفق وعود كثيرة، حيث فتح الحزب الإسلامي كتاب الوعود ولم يغلقه إلا على باب "الجنة فوق الأرض من إنجاز الإخوان"، لكن عند الامتحان يعز المرء أو يهان، وهكذا سقطت الحكومة في عدم قدرتها على تنفيذ حزمة الوعود التي تضمنت 1500 إجراء لم تتمكن من تنفيذ ولو جزء بسيط منها. ووعد بنكيران برفع سقف الحد الأدنى للأجور لكن بعد وصوله للحكومة جمد الأجور ورفع الأسعار والأجر على الله، وزاد في ثمن المحروقات زاعما ان ذلك في خدمة الطبقات الفقيرة، ووعد الفقراء بمخصصات مالية شهرية وتراجع عن ذلك. ألا يريد الفتنة؟