أخرج استقبال الملك محمد السادس لبلال أغ الشريف، الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تمثل المتمردين الطوارق بشمال مالي،رفقة موسى أغ الطاهر ، الناطق باسم الحركة ، الجزائر من مقبعها لتضرب أخماسا في أسداس بشأن الدور التاريخي الذي ما فتئ يقوم به المغرب على مستوى القارة الإفريقية ، وتحديدا العلاقات الأخوية التي ميزت على الدوام بين المملكة المغربية ومالي قبل وجود الدولة الجزائرية نفسها بقرون . هذا اللقاء أزعج كثيرا حكام الجزائر ، و في نفس الوقت كشف عن عقلية الهيمنة لدى هؤلاء الحكام الذين ينفقون الأموال الطائلة من أجل تكريسها على المستوى المغاربي ، وعلى مستوى منطقة الساحل والصحراء ، ثم على مستوى القارة الإفريقية ، من أجل الحصول على صفة "دركي القارة" من الدول الغربية .لكن الرد الفصيح جاء من البيان الذي أصدرته الحركة الوطنية لتحرير أزواد وأكدت ، من خلاله، لجلالة الملك محمد السادس جاهزية الوفد " وتمسكه بالحل السياسي الدائم للنزاع الحالي بين إقليم أزواد وحكومة مالي". المغرب لا يركب على القضايا المصيرية للأشقاء والأصدقاء، ولا يستغلها كورقة ضغط وابتزاز لخدمة مصالح ضيقة، كما يحرم على نفسه مناصرة أو دعم الخارجين على الشرعية وعلى الوحدة الترابية لجيرانه. موقف جسده بالملموس في تعامله مع المقاومة الجزائرية لدرجة أن المغرب تأفف من قبول عرض فرنسا بخصوص رسم الحدود مع الجزائر التي كانت وقتها مجرد إقليم من الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار، وذهب بعيدا في رفض أي مساومة على ظهر ومصالح الجزائريين ، ونفس الموقف المبدئي كان مع مختلف حركات التحرر في جنوب إفريقيا التي قلب حكامها اليوم ظهر المجن للمغرب وأنغولا والموزمبيق والكونغو وإريتيريا ، وقبل هذا وذاك فلسطين . فالمغرب، الضارب وجوده في أعماق التاريخ والحضارة ، يربأ بنفسه في إثارة الفتن والقلاقل والانشقاق بين أفراد البلد الواحد والشعب الواحد . وهو في هذا المجال لا يؤمن ببعض ويكفر ببعض بدليل أن الدور الذي يقوم به من أجل مالي تم بطلب من الأشقاء في هذا البلد ، سواء من الحكومة أو من الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، انطلاقا من حرص المملكة الدائم على الحفاظ على الوحدة الترابية وعلى استقرار جمهورية مالي، و المساهمة في إيجاد حل والتوصل إلى توافق كفيل بالتصدي لحركات التطرف والإرهاب التي تهدد دول الاتحاد المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء، وبتحفيز التنمية وضمان كرامة الشعب المالي الشقيق ، في إطار الوئام بين كل مكوناته . الغريب أن حكام الجزائر لا يترددون في ادعاء أنهم يدعمون إطلاق المفاوضات من أجل حل سياسي للنزاع في مالي، والحفاظ على الوحدة الترابية لهذا البلد الإفريقي، والمصالحة بين جميع الماليين.. وهي في الواقع دعوة لحماية الجزائر من عدوى الانفصال التي اصابت طوارقها. فلماذا لا يقومون بنفس الجهد أو أقل منه إزاء الوحدة الترابية لجارهم المغرب ؟ ولماذا اختلقوا "حركة تحرر" هلامية وافتعال نزاع في الصحراء لمعاكسة المغرب في وحدته وعرقلة نموه وبالتالي الوقوف حجرة عثرة في وجه بناء وتقدم المشروع المغاربي ؟ بل لماذا يخافون من الابتعاد عن النزاع ورفع يدهم عنه إذا كانوا غير معنيين به ؟ ولماذا كل هذا السخاء المثير لحركة لا هي في العير ولا في البعير، ولا تمثل حتى من نصبتهم الجزائر زعماء وقادة على جمهورية ابتدعتها ابتداعا ؟ لقد اختارت حركة تحرير أزواد الطريق الصحيح : طريق الحكمة باعتبار الحوار والتخلي عن المطالب الانفصالية منذ بداية النزاع من أجل مالي واحدة موحدة تضم جميع أبنائها، علما أن هذه الحركة هي الوحيدة التي حاربت المجموعات الإرهابية ومن ضمنها جماعة "البوليساريو" ، في شمال مالي سنة 2012، مما جعلها مستهدفة من طرف هذه المجموعات التي تتحكم فيها الجزائر ، وعلى رأسها جماعة مختار بلمختار ،بدليل تعرض زعيم الحركة ،بلال أغ الشريف نفسه، لجروح بمنطقة غاو عقب هجوم شنته جماعة بلمختار مدعومة ب"البوليساريو". إن الاستقبال الملكي ولجوء زعماء حركة تحرير أزواد للمغرب ،يدل على أن طوارق مالي يثقون في دور وقدرة المغرب وملكه على القيام بالدور المرجو منه من أجل تكريس الاستقرار والسلام وتثبيت الحل النهائي لأزمة كادت أن تعصف بمالي. وهذا يدل على حيوية وفعالية المسعى المغربي من أجل إيجاد الحلول للنزاعات الداخلية التي تهز عددا من الدول الإفريقية. فهل استوعبت الجزائر الدرس الديبلوماسي الملكي وهل فهمت ان التدخل المغربي الذي تسانده الاممالمتحدة وعدد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ليست له مصلحة شوفينية ولكن رؤية استراتيجية في منطقة شمال افريقيا والساحل ولتحقيق السلم في القارة الافريقية.