بعد عامين من اعتراف الدستور الجديد بالأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، ينفض البرلمان عنه حالة الخمول، ويشمر عن ساعد الجد لمباشرة عملية تنزيل وتقعيد هذه اللغة الوطنية على الأرض من خلال ترسيمها . "كل تأخير فيه خير"، لكن الخير يكون في التأخير المحمود الذي تكون الغاية منه انتظار أن تنضج المادة وتتضح معالم الطريق التي من شأنها تسهيل عملية التنزيل بشكل سلس ومرن.أما حين يكون التأخير مرتبط بعجز المؤسسة أو تماطلها في التطرق لمعالجة ما ينبغي معالجته في الوقت المناسب ، فذاك يعني أن المعنيين ليس لهم قابلية أو استعداد لمواجهة القضايا الكبرى. من المعلوم أن البرلمان، بغرفتيه، يتوفر على ما يكفي من مشاريع القوانين المرتبطة بتأطير وتطبيق اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية ، وعلى الخصوص في قطاع العدل والتعليم. ففي جهات كثيرة من بلدنا لا يعرف ملايين المواطنين لغة أخرى غير الأمازيغية، الشيء الذي يؤثر سلبا على تعاملهم وعلاقتهم مع الإدارة ويؤدي ،بالتالي، إلى نزاعات لا مبرر لها . ولنتصور ، مثلا، حالة مواطنين أمازيغ يتقاضون أمام محكمة يكون رؤساء هيآتها وأعضاؤها وموظفوها لا يعرفون حرفا في اللغة الأمازيغية . نفس الأمر ينطبق على سائر القطاعات التي تمثل الإدارة العمومية، خاصة القطاعات ذات الطبيعة الاجتماعية مثل الصحة والتعليم حيث يدفع عدم معرفة اللغة الأمازيغية إلى حصول الكثير من الاضطراب والتوتر في علاقة المواطن المغربي الأمازيغي مع الإدارة التي هي إدارته التي من المفروض أن تكون في خدمته بشكل طبيعي . وهذا الشكل الطبيعي هو الذي يتمثل في تنزيل وتقعيد اللغة الأمازيغية على أرض الواقع بكل الجدية والفعالية المطلوبة.وغير ذلك يعتبر تمطيطا وتسويفا و"قتلا" للوقت. لقد شاهدنا وقرأنا حدوث حالات شاذة، في جلسات الأسئلة الشفوية بالبرلمان على سبيل المثال، ما كان لها أن تقع لو كانت المؤسسة التشريعية تتوفر على المترجمين من الأمازيغية إلى العربية ،لأنه من العيب أن يطرح برلماني سؤاله بالأمازيغية ويجيبه الوزير بالعربية . هنا يكون الحوار حوار الطر شان: كل طرف يسمع كلام الطرف الآخر من دون أن يفهم أو يستوعب حرفا واحدا . تلك مأساة تتم بين مواطني بلد واحد بينما البرلمان الأوربي الذي يوجد فيه نواب من كافة بلدان الاتحاد الأوربي،ولكل بلد لغته الخاصة ، ومع ذلك تسير الجلسات سيرا عاديا لأن هذه المؤسسة وفرت جميع وسائل الاتصال والتواصل ،التي تسمح بالمعنيين بالقيام بمهامهم في أحسن الظروف . من المؤكد أن الأثر الذي ستتركه مبادرة البرلمان في بلدنا ،بتنزيل وتقعيد اللغة الأمازيغية، سيكون له صدى طيب في سائر المؤسسات الأخرى التي لم يعد لها مبرر في التلكؤ والتذرع بأسباب واهية ، ذلك أنه لم يعد مجديا الاكتفاء بتثبيت أسماء الوزارات والإدارات على الجدران بعد أن اعترف الدستور الجديد لسنة 2011 باللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.