المفهوم الجديد لأمن الحدود أصبح أمن الحدود موضوعا ذا أهمية بالغة في رسم الجغرافيا السياسية، ولم تعد الحدود تهم البلد المعني وحده. واليوم تم اختيار المغرب لإصدار إعلان الرباط لأمن الحدود اعترافا بدوره في بلورة مفهوم جديد لأمن الحدود ولم يعد ينظر إلى الحدود الوطنية كما كان ينظر إليها في السابق، ووفقا لما تشهده الساحة الدولية من تغيرات جذرية، كان ضروريا أن يكون هناك تفسيرات جديدة لمفهوم الأمن، حيث لم تعد التعريفات التقليدية كافية لفهم مجمل التهديدات الداخلية التي تتعرض لها الدول والمجتمعات في الوقت الراهن. لم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية حكراً علي الدولة الوطنية، إذ أصبح هناك فاعلون دوليون من غير الدول كالمنظمات الإقليمية والدولية، الحكومية وغير الحكومية. ومن ناحية أخرى، حدث تحول في طبيعة مصادر التهديد للدولة، والتي لم تعد بالضرورة مصادر عسكرية فقط، وإنما تعدت ذلك لتكون هناك مصادر أخري غير تقليدية، ومنها الإرهاب الدولي، وتجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة، وانتشار الأمراض والأوبئة والفقر والتلوث البيئي، والتي لا تستطيع القوة العسكرية للدولة مواجهتها. كما لم يعد من الممكن حصر آثار تلك المهددات داخل حدود الدولة، بل تتعدى الحدود لتؤثر بالسلب في دول أخرى. فالجريمة المنظمة أصبحت عابرة للقارات ولا يمكن ضبطها من خلال الفهم القديم لأمن الحدود كما أن الجريمة الإرهابية تعدت الحدود الوطنية بل إن المنظمات الإرهابية في كليتها لا تؤمن أصلا بالأوطان، وأصبحت الموارد البشرية الإرهابية تتنقل عابرة للحدود والقارات كما تتنقل الموارد البشرية للشركات العابرة للقارات. ويهدف المؤتمر الذي ينعقد بالرباط حول أمن الحدود إلى تعزيز مراقبة الحدود في منطقة شمال إفريقيا وفضاء الساحل والصحراء وتأمينها، وتوطيد الحوار والتشاور بين دول المنطقة والشركاء الدوليين وتطوير التعاون العملياتي في المجال الأمني لمحاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات، وكذا الهجرة غير الشرعية. إن التحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة تقتضي رؤية جديدة لمفهوم أمن الحدود وإذا تمسكت الدول بفهمها التقليدي فإنها لن تتمكن من المواجهة، حيث لا يمكن مواجهة الجريمة العابرة للقارات بخطة حماية الأمن الوطني المنفردة، ونموذج ذلك الدولة الجزائرية التي تخلط العمل الطيب بالعمل الخبيث، ولا تميز بين خصومتها التاريخية مع المغرب والتي افتعلها الجنرالات، وبين التحديات المطروحة على بلدان المنطقة. فالجزائر عندما تعتبر حماية الحدود هي طرد المهاجرين السريين في ظروف غير إنسانية فإنها تخلق مشاكل لبلدان الجوار التي قد تنعكس عليها مرة أخرى. والدولة الجزائرية لا تريد أن تفهم أن أمن الحدود مرتبط بقضية اسمها جبهة البوليساريو التي هي المحضن الأساسي اليوم للإرهاب في منطقة الساحل، ولم تستفد من عشرية الحرب الأهلية حيث كان السلاح التي تزود به الانفصاليون يباع للجماعات الإرهابية. إن أمن الحدود اليوم ينبغي أن يتخذ أبعادا جديدة انسجاما مع تطور الجريمة التي أصبحت عابرة للقارات.