الامتحان يسير مجلس المستشارين، وقد يعمم على الغرفة الأولى أيضا، نحو إقرار نظام جديد لمنظومة الأسئلة الشفوية كواحدة من أولى أدوات مراقبة أداء العمل الحكومي وأداء الوزراء، وقد أصبحت جلسة الأسئلة الشفوية عبئا ثقيلا بعد أن فقدت بريقها ولم يعد الاهتمام بها واردا لدى المواطن المغربي، الذي لم يعد يرى فيها سوى سوق للغط والضجيج، في حين يهتم المواطن بكل إجراءات المراقبة خروجا من السيبة، لكن الطريقة التي تدار بها الأسئلة الشفوية لم تعد تجد في عالم متغير وفي مغرب الدستور الجديد أي مغرب الحكومات السياسية. ويتجه المجلس نحو تخفيض توقيت السؤال الشفوي من عشر دقائق مقتسمة بين البرلماني والوزير إلى أربع دقائق فقط ضمانا لفعالية الأسئلة الشفوية، ويتجه المجلس إلى إقرار نظام جديد معروف في البلدان الديمقراطية وهو أن يكون السؤال مباشرا والجواب مباشرا، وليس كما هو الشأن في الصيغة الحالية التي أصبح معها السؤال الشفوي مجرد سؤال كتابي مقروء على مسامع البرلمانيين والمشاهدين من المواطنين. بهذه الصيغة إذا ما تم إقرارها سيكون السؤال حقيقيا وسيكون الجواب حقيقيا وليس جوابا مدروسا، ومن خلال بقائه لدى الوزارة ثلاثة أسابيع يمكن صياغته بالطريقة التي يريد الوزير أو يريدها موظفوه، ومعها تنعدم صفة المراقبة بعد أن يتم الالتفاف حوله وحول الأرقام المتعلقة به. غدا سنكون أمام طريقة جديدة لمراقبة العمل الحكومي، حيث سيتم طرح السؤال تلقائيا ويتم الجواب عنه تلقائيا، وفي الدول الديمقراطية هناك هدف من وراء طرح الأسئلة بشكل مباشر، وهي شبيهة بالأسئلة الشفوية في المدارس والثانويات والجامعات، فإذا كانت الأسئلة الكتابية تهدف إلى اختبار قدرة التلميذ والطالب على استيعاب المعارف والعلوم فإن الأسئلة الشفوية تختبر مدى قدرة التلميذ والطالب على الإحاطة بالمواد المدروسة وبالمعارف وطريقة التفاعل معها. فعندما يكون السؤال البرلماني، سواء في الغرفة الأولى أو الثانية، يتم امتحان الوزير في مدى إحاطته بالملفات داخل وزارته، وبالتالي لن يكون وزيرا لا يعرف شيئا عن قطاعه ولكن المراقبة تهدف إلى أن يكون الوزير ملما بقطاعه، في حين تهتم الأسئلة الكتابية بتدقيقات الوزارة وبالأرقام المتعلقة بها. إن الرقي بالديمقراطية البرلمانية وجعلها أكثر قدرة على إثارة مختلف الإشكاليات المطروحة بكيفية ناجعة، يقتضي تطوير أساليب تداول الأسئلة الشفوية وفق منهجية حديثة تروم الرفع من مردوديتها، ولكي تؤدي هذه الأخيرة أدوارها على أكمل وجه، يتعين تداولها وفق منهجية فعالة قوامها الدقة والوضوح والاختصار والتميز، سعيا إلى جعلها أداة ناجعة تحث القطاعات الحكومية على تصويب الأخطاء وتدارك الهفوات وتحسين المردودية. وتعتبر بريطانيا من أعرق النظم السياسية التي عرفت تطورا كبيرا في مجال الرقابة التشريعية للبرلمان على عمل الحكومة، فطرح الأسئلة الشفوية وفق المنهجية البريطانية يعتمد تقاليد عريقة منها أسلوب المواجهة بين البرلماني والوزير، والتقدم بأسئلة دقيقة ومقتضبة، والالتزام الصارم بالمدة المحددة لطرح الأسئلة والردود. إن المشروع الذي سيقدم عليه مجلس المستشارين سيكون تاريخيا بكل المقاييس في تطور العمل البرلماني والرقابة على القطاعات الوزارية.