العقد الفريد يأتي حفل الولاء لهذه السنة في ظرف تقدم فيه الملكية المغربية دروسا تلو الدروس عن مدى تجذرها، ليس فقط في أعماق التاريخ، بل في أعماق قلوب المغاربة الذين ظلوا على الدوام يبادلون الجالس على العرش كل الحب وكل الوفاء. ولهذا الحب وذلك الوفاء محطات دالة تشاء الظروف أن تختبر فيها هذه المشاعر التي لا يتأخر المغاربة في إثباتها وتثبيتها بكل العزم والصدق والالتزام. من منفى الأسرة الملكية بمدغشقر، وكفاح المغاربة من أجل عودتها، ومبايعة السلطان محمد بن يوسف ملكا على المغرب، إلى مبايعة الأمير مولاي الحسن وليا للعهد ثم ملكا بعد وفاة والده محمد الخامس، إلى مبايعة محمد السادس، محطات تاريخية تثبت تجديد البيعة والولاء للجالس على العرش بصفته ملكا للبلاد وأميرا للمؤمنين. وعلى الملك والإمارة تقوم المؤسسة الملكية المغربية ويكتمل عقدها. إن وراء طقوس البيعة تكمن أصالة شعب وحضارة بلد يجسدها التشبث بالعرش المعبر الأمين عن تطلعات وانتظارات المغاربة. هي أصالة وحضارة لم تأت من فراغ، بل تستمد وجودها من عراقة المغرب الذي ظل بدوره يؤكد على خصوصيته واستثنائيته منذ مماليك الأمازيغ والأسر التي تداولت عرش البلاد وإمارة المؤمنين منذ ادريس الأول إلى محمد السادس : استمرارية في استمرارية، لا مثيل لها في سائر ملكيات الشرق والغرب، لأن الملكية في المغرب هي التي حافظت وجسدت وحدة البلاد؛ وبالملكية ظل المغرب في منأى عن صراعات الشرق العربي منذ مقتل علي بن أبي طالب وبروز الأمويين كسلطة جديدة. وبالملكية، وضع المغرب حدا للمد الصليبي في معركة وادي المخازن؛ وبالملكية، أوقف المغرب المد العثماني في حدوده الشرقية؛ وبالملكية، فرض المغرب على فرنسا واسبانيا – القوتان الاستعماريتان – الاعتراف بوجود شعب وبلد كامل الأعراق؛ وبالملكية سيدخل المغرب العصر الحديث وينفتح على كل متطلباته في وقت كانت فيه الكثير من الشعوب والبلدان في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية غارقة في أتون الاستعمار، أو في فوضى الانقلابات العسكرية، وأنظمة الحزب الوحيد؛ وبالملكية، يبادرالمغرب، بشجاعة وجرأة نادرتين، على طي صفحة الماضي، والتصالح مع نفسه، وفي نفس الوقت فتح أوراش التنمية والنمو . هنا تظهر بعض علامات أهمية وقيمة العرش المغربي، ومن خلالها أصالة البيعة لملك البلاد وأمير المؤمنين التي تجسد الأساس المتين للأمة المغربية، والتعبير عن تلاحمها واستمراريتها. إنها العقد الفريد الذي يميز الاستثناء المغربي الأصيل.