حين أتت طاحونة المشاغبين من جماهير فريق الجيش الملكي مساء ذلك الخميس الأبريلي (نسبة إلى شهر أبريل)، الذي أصبح يحمل صفة الأسْود، على الأخضر واليابس في أهم مناطق الدار البيضاء ونقطها الاستراتيجية، قدوما من محطة الدار البيضاء - المسافرين في آخر شارع محمد الخامس في التقائه مع شارع بّاحماد إلى بدايته في التقائه بشارع الحسن الثاني عند مركز المدينة، أو قدوما من محطة الدارالبيضاء - الميناء القريبة من هذا المركز عبر شارع هفويت بوانيي (الحنصالي) أو الأزقة المجاورة لزنقة لورلوج - علال بن عبد الله، وحين حولت هذه الطاحونة بمعاول الأذى والتخريب ممتلكات المواطنين إلى خراب ومتلاشيات وأرهبت نفوس البيضاويين والعابرين والسياح بالطريقة الهمجية التي اعتمدها الجانحون الذين حولوا شغبهم من الملاعب إلى الشوارع بالاعتداء على أبرياء في الفضاء العام، حين حدث كل ذلك استنكر كل المغاربة بمختلف الأعمار والشرائح والطبقات هذا الفعل الشنيع وطالبوا بأقصى العقوبات على المعتدين بل من المغاربة من ذهب إلى توسيع التحقيق لتحميل المسؤولية لكل من قصّر أو أخلَّ بواجب التصدي لهؤلاء، سواء كان من رجال الأمن أو موظفي السكك الحديدية أو الجهات المنظمة من مسؤولي الرجاء البيضاوي بصفته الفريق المستضيف والساهر على تسهيل الولوج والخروج من الملعب عند أبوابه. وعلى الرغم من إيقاف المشتبه بهم في هذه الأحداث الدامية التي اعتبرت سابقة من نوعها في تاريخ الكرة المغربية حيث تمت بهكذا طريقة منظمة وقبل بداية مباراة لكرة القدم، وما إن أخذت أمور العقاب التي يضمنها القانون في طريقها بداية من تقديم هؤلاء إلى العدالة والتحقيق معهم وانتهاء عند المداولات والمحاكمة حتى انقلبت غالبية الأصوات المستنكرة والمنددة إلى أصوات متضامنة بل مطالبة وملحة على ضرورة إطلاق سراح هؤلاء أو التخفيف مما قد ينزل بهم من عقوبات وفق صكوك الاتهامات التي يواجهون. وإذا كان هذا الاشتباه واقعا ملموسا تجسده الصورة الحية التي أثثت لزمان ومكان الجنحة أو الجريمة ويؤكده المشهد الرهيب الذي آلت إليه العاصمة الاقتصادية من هول ما تم اقترافه، فإننا نفهم جليا الهدف من المسلكيات التي سلكها أهل المشتبه بهم وذووهم عن طريق الاحتجاج والتنديد وجذب أعداد من المتضامنين، ديْدنهم في ذلك التأثير لضمان ظروف التخفيف، على الأقل، بدعوى أن فلذات الأكباد في غالبيتهم إما مجرد "مغرر بهم رياضيا" وهم تلاميذ وطلبة تنتظرهم امتحانات دراسية ومستقبل تعليمي، أو أنهم ضحايا ولع جنوني بالكرة والفريق المفضل ساقتهم أقدار ذلك الخميس إلى ردهات المحاكمة، لكن الذي لا نفهم ولا نستسيغ كيف يتحول كل من يخرج عن دائرة الأهل والآباء من لاعبين وإعلاميين وناشطين حقوقيين إلى مدافعين، بطرق صريحة وأخرى ملتوية، عن هؤلاء الذين ألحقوا الأضرار بممتلكات الغير وبالملك العمومي وبأجساد المواطنين ونفوسهم، إلا إذا كان هؤلاء المدافعون متشبعين بالشغب ومتشبثين بالفوضى ضدا على القانون وحريات الأوطان والمواطنين، بل إلا إذا كانوا أصلا مشاغبين. قد نكون مع أهل الموقوفين وذويهم، في محاكمة عادلة، وهم الذين يتجرعون مرارة وضع أبنائهم وراء القضبان بالكاد، لكن القبول بمن يتضامن مع من يلطخ سمعة البلاد ويعود بها إلى زمن الفوضى يبقى ضربا من المستحيلات لأنه يشجع على العوْد إلى الشغب وعلى تفريخ المشاغبين وإحداث الشغب الذي يمكن أن تتطور أساليبه إلى ما هو أفظع.