قال محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، "إن إقامة الدين منهج شامل وإقامة الدولة مدخل من مداخله" وذلك بعد أن ذكر بأن الحركة هي عمل إسلامي تجديدي لإقامة الدين وإصلاح المجتمع. ماذا يعني الحمداوي بإقامة الدولة؟ أليست الدولة قائمة قبل أن تكون الحركة وأن يكون الحزب؟ أليست الدولة المغربية قائمة منذ كان الحمداوي في العدم؟ لكن الرئيس (العلني) للتوحيد والإصلاح يقصد الدولة الإسلامية التي سماها رباح يوم أصبح وزيرا بمرحلة التمكين. ها هو الحمداوي أفصح ولم يغمغم ولم يجمجم. الهدف هو السيطرة على الدولة وقد قالها المقرئ في وقت سابق إنهم لو سيطروا على الدولة كاملة لقطعوا دابر بني صهيون. عيون الإخوة في البيجيدي على الدولة وليس على جزء من الدولة. الدولة في المغرب قائمة، والدولة كما هي معششة في ذهن الحمداوي ومن يوحي له كلامه يوم الجمعة على قصعة الكسكس بحي الليمون غير موجودة وغير قائمة. دولة الشريعة الوهابية لم تقم بعد وهي استراتيجية الحركة منذ قيامها. ذات يوم بعث الحمداوي رسالة إلى جماعة العدل والإحسان، يقول فيها "ما دمنا مختلفين في الموقف السياسي. دعوا السياسة ولنتحد في الباقي". ما الذي يجمع حركة تقود الحكومة من خلال أداتها الوظيفية، حزب العدالة والتنمية، وبين حركة تؤمن بدولة الخلافة؟ إن هذه الرسالة كانت تهيئ لتنسيق "ما" يبحث عن جسر تواصل بين الحركتين لأي فعل خارج الدولة. عندما قرأت كلام الحمداوي تذكرت ما قاله رباح يوم فاز حزب العدالة والتنمية بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، قال وهو يتحدث لإخوانه في الله من جماعة التوحيد والإصلاح إن مرحلة التمكين تتطلب صبرا أكبر من المرحلة التي تسبقها. فالرجل لم يستطع التخلص مما ترسب في ذهنه ووجدانه منذ ثلاثين سنة خلت يوم جاء يافعا لجماعة بنكيران. مفهوم التمكين يمتح من قاموس الحركة الإسلامية أيام المحنة، حيث كانت هذه الحركات تخطط لإقامة حكم "إسلامي"، وكل على شاكلته، أي أن الحركة التي كانت تمر من مرحلة "استضعاف" لابد أن ترث الأرض منًّا من الله على هؤلاء. أستغفر الله العظيم. إن استعمال مفهوم التمكين فيه نبرة استصغار للآخرين حتى لا نقول نبرة سلفية تكفيرية. إن خطاب التوحيد والإصلاح حول الدولة لم يتطور إلا في سياق الهيمنة. فالوهابي من طبعه لا يؤمن بالدولة ولا يؤمن بالأوطان. ففكره عابر للقارات، ولهذا تجدهم أول من يلبي نداء "الجهاد" في أي مكان، ومن لم يتمكن منهم من حمل السلاح يحمل سلاح النصرة والجهاد بالمراسلة. وخرقا لحدود الدولة يبحث أبناء التوحيد والإصلاح عن انتماءات أخرى هلامية. فيوم بايعوا يوسف القرضاوي، داعية القتل ومفتي الفتنة، إماما للعصر وفقيها للأمة بلا منازع، كانوا يبحثون عن وطن بديل، ومادام الوطن الأم لا ينخرط في مشروع رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين فإن دولة الوطن لا تمثل الدولة المرجوة التي يتطلع الحمداوي إلى إقامتها. اجمعوا كلام هؤلاء يمكن أن تحلوا معاملات المعادلة الصعبة. بنكيران يقول "الربيع العربي مازال كيتسارى وتقدر ترشق ليه ويرجع". حامي الدين يقول إن الدولة فقدت بريقها. أبو زيد يقول "الحركة الإسلامية لم تتول سوى جزء من الدولة ولو وصلت إلى الدولة كاملة لقطعت دابر بني صهيون". والحمداوي يقول "إن هدف جماعته هو إقامة الدين، وإقامة الدولة وسيلة". مشروع التوحيد والإصلاح أكبر من الدولة وهي التي تترأس الحكومة. المعادلة إذن صعبة وفهمها أصعب.