أكد حزب (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) الجزائري أن الفضيحة الأخيرة لمجموعة (سوناطراك) التي تفجرت فيها قضايا رشوة طرفها شركاء إيطاليون٬ تكشف عن "ميوعة" الوضع السياسي بالبلاد. وقال الحزب٬ في بيان صدر في ختام اجتماع لكتابته الوطنية٬ ونشره أول أمس الأحد٬ إن تفجر هذه القضية يدل على أن "الوضع السياسي في الجزائر مائع بفساد مستشر ودائرة احتجاجات آخذة في الاتساع٬ تزيد من فقدان الثقة التي تحدد العلاقات بين السلطة والمجتمع"، وحذر الحزب٬ الذي يعد أبرز أحزاب المعارضة في الجزائر٬ من خطورة قضية الرشوة التي تفجرت داخل مجموعة (سوناطراك)٬ والتي تقدر قيمتها بملايين الدولارات. وحسب مصادر إيطالية٬ فإن وقائع القضية تعود إلى عدة سنوات٬ ذلك أن المجموعة الإيطالية (إيني) قد تكون لجأت٬ عند رغبتها في الحصول على عقود (ثمانية في المجموع) داخل السوق الغازية عبر فرعها سايبيم٬ إلى تقديم رشاوى بمئات الملايين من الأورو لمسؤولي (سوناطراك). وقال الحزب إن "الفضيحة الأخيرة لسوناطراك كشفت حالة الميوعة التي بلغها النظام من خلال تورط٬ بمستويات مختلفة٬ لعدد من الأطر الرفيعة للدولة في قضايا رشوة على نطاق واسع". كما عبر (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) عن استنكاره ل"تراجع مناخ الحريات في مقابل تصاعد وتيرة القمع والتهديدات ومصادرة الحريات النقابية٬ على نحو لم يكن معمولا به حتى في سنوات الرصاص وزمن الحزب الواحد"، وكانت الجمعية الجزائرية لمحاربة الرشوة قد نددت٬ في بيان٬ بالصمت المطبق للسلطات الجزائرية إزاء هذه الفضيحة. وكشفت وسائل إعلام جزائرية عن عمولات بقيمة 197 مليون يورو تلقاها مسؤولون جزائريون مقابل تسهيل حصول مجموعة "إيني" على صفقات في مجال النفط والغاز بقيمة 11 مليار يورو. وأدى تفجير فضائح الفساد والرشوة والصفقات المشبوهة داخل ما وصفته المصادر ذاتها ب البقرة الحلوب" للجزائر، غضب العاطلين في الجنوب الذين فضحوا التوظيف داخل شركة سوناطراك وفروعها، ولم يتوقف الأمر عند هذا المستوى، حيث قرر الآلاف من الشباب الغاضب الخروج إلى الشارع في احتجاجات واعتصامات ومسيرات، رفعوا خلالها شعارات منددة بالتمييز والمفاضلة في التوظيف، ويطالبون بحقهم في البترول الذي تنام آباره عبر مساحات صحراوية شاسعة.. ووسط هذه المطالب التي اعتبرتها وسائل الإعلام المحلية مشروعة، أثيرت فضائح الشركات المتعددة الجنسية، في مجال التوظيف الذي تتكلف به شركات المناولة المتهمة بامتصاص عرق شباب الجنوب وتحريضه على الاحتجاج. ووصف العاطلون في جنوب البلاد، شركات المناولة أو ما يعرف بإمبراطوريات "السماسرة" بأنها "وكالات استعباد"، يديرها في الظل رجال أعمال ومتقاعدون ومسؤولون سابقون، وتسند في الظاهر لأشخاص آخرين سيَما بحاسي مسعود عاصمة الذهب الأسود . ورغم أن الحكومة قامت بحل هذه الشركات وحظرها منذ شهر مارس 2004، وهي السنة التي انتفض فيها شباب ورڤلة، إلا أنها ما زالت تنشط بسجل تجاري مقيد وتتحايل على التشريع بنشاط مغاير للذي تم تجميده، أي بسجل تجاري واحد أو عدة سجلات، بعيدا عن دائرة اختصاصها أمام مرأى ومسمع السلطات المحلية، وتتحكم في سوق الشغل وتقفز على القانون. وكشفت المصادر ذاتها أن عدد الخروقات تجاوزت السنة الماضية لوحدها 400 مخالفة ارتكبتها شركات المناولة التي تنشط مع سوناطراك، كما أظهرت أرقام رسمية توظيف 4 آلاف شخص بطرق ملتوية العام الماضي. وزادت حدة الاحتقان والاحتجاجات بورڤلة وسط العاطلين الذين لاتزال معاناتهم مستمرة منذ سنوات، حيث قرروا رفع مطالب الانفصال، والحق في العمل في الشركات التي توظف أشخاصا من خارج الولاية بطرق ملتوية، بينهم فتيات، يتم تزوير شهادات إقامة لهن بحاسي مسعود، تمهيدا لتوظيفهن على حسابهم. وكشف مسؤول رفيع بالمجموعة في تصريحات ل"الشروق" الجزائرية، أن الرئيس المدير العام لشركة النفط الوطنية العملاقة سوناطراك، يحصل على أجر شهري يقدر ب300 ألف دج (30 مليون سنتيم) كجزء ثابت، بينما يحصل على علاوة سنوية متغيرة تصل إلى 160 بالمائة على أساس الأجر السنوي في حال تمكن من تحقيق الأهداف السنوية المسطرة، فيما يحصل نواب الرئيس التنفيذي على أجر شهري يقدر ب270 ألف دج (27 مليون سنتيم) كجزء ثابت ويحصلون على علاوة سنوية متغيرة تصل إلى 160 بالمائة من الأجر السنوي في حال تحقيق الأهداف المسطرة. ويضيف المصدر أن المديرين المركزيين في المجموعة يحصلون على أجرة شهرية تقدر ب240 ألف دج كجزء ثابت وجزء متغير يصل إلى 160 بالمئة أيضا حسب الأهداف التي تحققت، ويحصل رؤساء الشركات الفرعية التابعة للمجموعة، على أجرة شهرية تتراوح بين 150 ألفا إلى 200 ألف دج (15 إلى 20 مليون سنتيم) وجزء متغير يقدر ب120 بالمئة من الآجر السنوي، بحسب حجم الشركة الفرعية. ويشير المتحدث إلى أن أجور المهندسين في الشركة تتراوح بين 80 ألفا و170 ألف دج بحسب التخصص والخبرة ومنطقة النشاط، حيث تم تقسيم الإقليم الوطني إلى ثمانية مناطق من المنطقة 1 إلى 8، فيما تتراوح أجور التقنيين في المجموعة ما بين 40 و70 ألف دج بحسب درجة التحكم والمنطقة، وتحصل الإطارات العليا في المجموعة على بعض المزايا المرتبطة بالمنصب مثل الهاتف والسيارة للعائلة وسيارة شخصية. وتشير معطيات رسمية من داخل مجموعة سوناطراك، أن 80 بالمائة من العاملين في الشركة من أبناء الشمال، في حين لا يتعدى مجموع العاملين من أبناء الجنوب في الشركة 20 بالمائة في أحسن الحالات، في حين لا تكاد تذكر نسبة أبناء المنطقة بين إطارات الصف الأول، الذين يغيرون حسب أمزجة السلطة الحاكمة والجهات النافذة منذ تأميم المحروقات. وفي العادة تتحجج سوناطراك وشركاتها الفرعية، بأن اليد العاملة في المنطقة لا تملك التأهيل المناسب لولوج عالم صناعة النفط، في حين يتساءل إطار كبير في سوناطراك، لماذا تم حل معهد التكوين "نافتوغاز" الواقع بحاسي مسعود، والذي كان يوفر دورات تكوينية متخصصة في العديد من التخصصات ذات الصلة بصناعة النفط.