الطريقة التي قررت جماعة العدل والإحسان أن تعود من خلالها إلى الشارع لاستعراض قوتها، أثبتت فعلا وجود قصور في الفهم، وغياب رؤية متفحصة لدى ورثة الشيخ عبد السلام ياسين الذي قررت الجماعة رفعه إلى درجة الإمام، بعد وفاته، خصوصا أنها تذكرت بعد سنوات أن لديهم بيوتا مشمعة في مدينة وجدة، أحدها يعود إلى القائد الجديد للجماعة الذي لم يشفع له قربه من الزعيم الراحل أن يأخذ مكانه كمرشد للجماعة فاكتفى بلقب الأمين العام، ويبدو أن الجماعة التي ألفت الاصطياد في الماء العكر عز عليها أن يظل أمينها العام في الشارع، فأرادت أن تلعب دور الضحية والجلاد في الآن نفسه، فمن جهة تضغط لفتح بيوتها المشمعة، ومن جهة أخرى استفزاز الأمن، ومحاولة جره إلى الشارع، وهو الأمر الذي تفطنت إليه الجهات المسؤولة التي ظلت تراقب المكان، لمنع أي انزلاق لا تحمد عقباه. إن إقدام جماعة العدل والإحسان على تنظيم قافلة تضامنية مع "البيوت المشمعة" ليست سوى خرجة إعلامية جديدة، تحاول من خلالها التأكيد على أنها مازالت على قيد الحياة، رغم أنها تيتمت بموت مرشدها، وهي كذلك محاولة لإلهاء المراقبين عن الصراعات الداخلية التي تكاد تذهب بالجماعة، في ظل التجاذبات، الخطيرة، ورغبة البعض في توزيع تركة الزعيم المرشد، التي آل معظمها لعائلته الصغيرة، ولأن الجماعة قررت لعب تكتيكات جديدة فقد استنفرت في القافلة مجموعة من الحقوقيين وفعاليات محلية ودولية، وحتى الأطفال جندتهم للمشاركة في هذه القافلة، التي لا مبرر من ورائها سوى أنها تريد بعث النار من تحت الرماد، أما العارفون بشؤون الجماعة، فأكدوا أنها تلعب ورقة التحرك المنظم، بعدما ظلت تعمل خارج القانون وفي جنح الظلام، ورفضت في كل المحطات السابقة أن تنخرط في الخيار الديمقراطي الذي تبناه المغرب. ولقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن المسيرة التي انطلقت من مدينة الرباط إلى مدينة وجدة ورافقتها ضجة إعلامية كبيرة، كان الهدف من ورائها إثارة الانتباه، وربما هناك داخل الجماعة من ما زال يحلم بالقومة التي لم تتحقق على عهد الشيخ ياسين، لذلك كان غرض الجماعة في المقام الأول هو استفزاز المصالح الأمنية التي تعاملت مع هذه الخطوة بكثير من التعقل والرزانة، وهو ما يحسب لها، خصوصا أن الجماعة لم يكن هدفها استعادة تلك البيوت، بل كان لها هدف أخطر وهو العودة إلى الشارع من بوابة البيوت المشمعة. وهناك من ذهب أبعد من ذلك، حين قال إن الخطوة ليست سوى محاولة لتلميع صورة المسؤول الأول بعد انتخابه أمينا عاما للجماعة وترميزه إعلاميا، إذ لا يعقل أن يكون زعيما وبيته مشمع، كما أنها بمثابة انطلاق عهد جديد بعد وفاة المرشد. لقد سعت الجماعة إلى خلق أجواء متوترة، عبر استفزاز الدولة، واللعب على ورقة الشارع، وهو الأمر الذي تكرر مرات عديدة، وحين تلعب الورقة الحقوقية فهي إنما تريد أن تلعب دور الضحية الذي لا يليق بجماعة تحلم بتحويل الشارع إلى حمام دم.