حين خرج آلاف المواطنين العرب إلى الشوارع ذات يوم بارد من أيام السنة الماضية للمطالبة بتغيير أنظمتها الحاكمة، اعتقد كثيرون أن زمنا آخرا سيولد في المنطقة العربية المليئة بالخيبات والانتكاسات، وأن هذه الشعوب التي تسمى عربية ستأخذ أخيرا زمام المبادرة وتعيد ذلك الزمن العربي المليء بالانتصارات. وفي غمرة النشوة أوجد كثير من "الخبراء والمحللين" أسماء وردية لهذا لحراك العربي الذي جاء على حين غرة، فكانت هناك ثورة القرنفل والياسمين، وتحول هذا الحراك إلى ربيع عربي استغلته بعض الأطراف لتصفية حساباتها السياسية. ومع أن هذا الربيع خلف كثيرا من المآسي، وأدى إلى تدمير البنية وتقتيل وتعذيب كل من خالف مسار القطار العربي الجديد، فقد وجد من يهلل له، ويروج له كما لو كان فيه خلاص هذه الشعوب من أتون الفقر وويلات القهر، قبل أن يستيقظ العربي على واقع بئيس يكاد يهدد مستقبله ومستقبل أبنائه. وفور سقوط نظام بنعلي في تونس بدأ الربيع العربي يأخذ أشكالا تراجيدية، وتحول الأمل إلى انتكاسة حقيقية ونكوص، وبدل أن نتقدم خطوة إلى الأمام وجدنا أنفسنا نتراجع خطوات إلى الوراء. الشيء الوحيد الذي تغير في هذا العالم العربي بعد سنة على ثوراته، صعود أنظمة جديدة، تحاول اليوم أخذ مكانها في الخارطة السياسية، فلا العقلية تبدلت، ولا الشعوب تغيرت، وبقينا نسير الهوينا في انتظار المساعدات الأمريكية التي أصبحت تمنح بشروط جديدة، أهمها أن تبارك هذا الربيع العربي، الذي أخطأ الطريق كلية. في مصر كما في تونس وليبيا مازال الشعب العربي هناك يواجه كل أشكال الظلم ويعيش على الكفاف، مادام الربيع العربي لم يزهر، بل فقد ما تبقى من أوراق الخريف، فانكشفت العورات، وتحول الحلم الموعود إلى كابوس مخيف أخرج ملايين المصريين إلى ميدان التحرير ليس للاحتفال بنجاح الثورة، ولكن للمطالبة بسقوط الربيع العربي الذي أوصل محمد مرسي إلى الحكم، ليعيد إنتاج نفس طريقة حكم مبارك بتوابل جديدة، فأصبحنا اليوم نتحدث عن أعداء الثورة والمتربصين بها، ونرى كتابا يصطفون إلى جانب الإخوان المسلمين للحديث عن البلطجية، مع أن الأمر يتعلق بمثقفين وفنانين ومواطنين هالهم أن يعيشوا لحظة ميلاد فرعون جديد. الذين هللوا لإسقاط الأنظمة العربية، يعيشون اليوم حالة من الرعب الحقيقي، وهم يعاينون أسس الدول تنهار فوق رؤوسهم، ويواجهون مصيرا أسود لا قرار له، لذلك كان لابد أن تخرج الألوف المؤلفة ضد من استثمر الثورة للانتقام ليس من رموز النظام الذي سبق ولكن من عموم الشعب. لقد آمنت الشعوب العربية بكثير من الشعارات التي حملتها ثورة الياسمين والقرنفل والزعفران وهلم جرا، واعتقدوا حقيقة أن بإمكان الغد أن يشرق على وطن حر وديمقراطي لا مكان فيه للشوفينية، واعتقدوا أكثر من ذلك أن المواطن سيعيش حرا في وطنه، ويأكل حتى الشبع، ويركب أحسن الحافلات، كان هؤلاء يظنون أن النظام السابق يمارس عليهم سياسة التجويع، لذلك صدقوا الشعارات التي رفعت قبل أن يستفيقوا على صدمة أرعبتهم، وجعلتهم يخرجون مهرولين يبحثون عن النجاة ولو عبر المناداة ببقاء بشار الأسد وعودة مبارك وبن علي، واستعادة أيام القذافي، بل ويعلنون ملء أفواههم أنهم خذلوا، وأن أحلامهم تحولت إلى كابوس يمنع عنهم النوم.