في عهد تقي الهلالي لم يكن الصراع بين الإخوان والوهابية قد بدأ ماهي علاقة تقي الدين الهلالي والحركة الاسلامية؟ كان تقي الدين الهلالي داعية وليس قائدا حركيا. ولكنّه لم يكن يخاصم الحركة الإسلامية. فكان يكفيه أن يجد حسن الإنصات من أبنائها لكي لا ينكر على خطها وسلوكها. وما نجده مؤخّرا في موقف بعض الوهابيين المشرقيين من دعوة الإخوان المسلمين موسوم بالتجريح والنكير لم يكن أمرا متعارفا عليه إبان نهوض تقي الدين الهلالي بالدعوة الوهابية في المغرب. ففي تلك المرحلة لم يبدأ الصدام أو الحرب الباردة بين الوهابية والإخوان. ففي جيل تقي الدين الهلالي حيث كان الهمّ الأبرز هو مواجهة الإلحاد والعدمية واليسار والتيار القومي كانت الوهابية تحتضن الإخوان المسلمين في مهجرهم وتمكّن لهم، حيث تأثروا بدعوتها بقدر ما تأثرت بأفكارهم. وكان لتقي الدين الهلالي مراسلات مع الشيخ حسن البنا الذي استكتبه في صحيفة الإخوان المسلمين. كان تقي الدين الهلالي قد أجاب على دعوة حسن البنا في الاستكتاب ببيت شعري : لبيك يا لبيك يا لبيك ++++ ها أنذا منطلق إليكا. لم تكن لتقي الدين الهلالي خصومة مع الحركة الإسلامية. ولا عقدة تجاه الإخوان المسلمين. وقد استطاع تقي الدين الهلالي بعد ذلك أن يخترق الحركة الإسلامية بدعوته الوهابية. وكان له الفضل في إنجاح هذه المهمّة التي فشل فيها من جاؤوا بعده لقلّة تجاربهم ومحصور ثقافتهم. من المسؤول عن البعثات العلمية إلى السعودية في السبعينات؟ كان الدكتور تقي الدين الهلالي نجم الحركة الوهابية في المغرب خلال سبعينيات القرن الماضي. وكان المغرب حتى تلك المرحلة لا يزال يتوجّس خيفة من هذه الدعوة الجديدة وقد بلغ الاصطدام مبلغا كبيرا بين جمهور المسلمين المحليين وشرذمة قليلة ممن كانوا يشكلون النواة الأولى للحركة الوهابية في المغرب. كان تقي الدين الهلالي وحده يواجه مضاعفات وتحدّيات الدعوة الجديدة. ولكنّه سعى جاهدا لتأسيس قاعدة صلبة لقيام هذه الحركة من خلال فتح خط البعثات الطلابية لتشكيل دعاة ينهضون بهذه الدعوة على المدى المتوسط والبعيد. كان تقي الدين الهلالي متشبّثا بدعوته منافحا عنها ومتلبّسا بهمومها أكثر من سائر الدعاة الذين جاؤوا بعده. ولذلك لم يأل جهدا في تسفير شباب مغاربة قصد الدراسة في المعاهد الوهابية في المشرق وكان في هذا شديد الحرص على المساعدة وكثير الوفاء لأتباعه. وكان في كلّ مرّة يأخذ معه شابا جديدا بذريعة أن يكون مرافقا ومعاونا له، بينما الحقيقة كانت الغاية من وراء ذلك شقّ طريق أمام هؤلاء الشّباب لولوج عالم السعودية من جهة الدّعوة وكذا من أجل وجود فرص لتحسين أوضاعهم المعيشية. وكما ذكرنا آنفا فلقد خصّصت المؤسّسة الوهابية للدكتور تقي الدين الهلالي كوطا من عشرة منح سنويا كان يتصرّف فيها قبل أن يتنازل عنها لصالح الأستاذ عبد الكريم مطيع الذي خصصت له أيضا عشرة منح سنويا. هل كان لمطيع دور في ذلك؟ كان لمطيع دور مماثل لكن لم يكن يحمل الأهداف نفسها التي كان يحملها تقي الدين الهلالي. فهذا الأخير كان داعية يسعى إلى تغيير معتقدات المغاربة سالكا في ذلك مسلك الدعاة الأثريين الذي يضعون العقيدة في أولويات حركتهم. بينما كان هدف مطيع أن يواصل نشاطه كزعيم لحركة إسلامية يسعى ويناور لبسط الهيمنة عليها من الخارج. كلّ الأموال التي كانت تصل إلى تقي الدين الهلالي صرفت بشكل أو بآخر في سبيل الدّعوة الوهابية، بينما حرص مطيع أن يوظّف ذلك المال في قضايا أخرى لا صلة لها بالدعوة الوهّابية. لقد لعب المال الوهابي دورا كبيرا في تمكين مطيع من إدارة الأزمة التي واجهت الشبيبة الإسلامية من منفاه. فقد كان يسخّر المال الوهابي في استقطاب معاونيه من الداخل والإنفاق عليهم مقابل ما يسدونه له من ولاء وخدمات، ينقلون له أخبار الشبيبة ويرسلون له تقارير عنها أولا بأوّل، وما آلت إليه أوضاعها الدّاخلية، وكذا للقيام بمناورات داخلها. ولا نجد فصيلا من فصائل الحركة الإسلامية في المغرب من لم يوجد فيه قيادي أو أكثر من قيادي تلقّى في وقت من الأوقات نصيبا من المال الوهابي. كان من بين أبناء الشبيبة من كان يرعاهم مطيع وينفق على دراستهم في الخارج كما استقدم بعضهم إلى الجامعات الوهابية مستفيدا من المنح التي خصصت له ولجماعته. في تلك الأثناء لم يكن همّ عبد الكريم مطيع أن ينهض بالحركة الوهابية في المغرب ولكنّه استفادة من توافد بعض الطلبة الموالين له لإقناع المؤسسة الوهابية الوصية بأهمية دوره الدّعوي لا سيما في مواجهة اليسار المغربي. وبما أن مطيع ليس في الأصل متشدّد عقائديا ولا حتى متشدّدا في تمثّلاته الشرعية التكليفية سيغادر السعودية ليستقر فيما بعد في ليبيا التي كانت تناهض الوهابية بل تناهض كل الحركة الإسلامية برمّتها. يمكننا القول أنّ تعاون تقي الدين الهلالي مع الحركة الوهابية كان تعاملا عقديا خالصا، بينما كان تعامل مطيع معها تعاملا براغماتية بامتياز. لكن هذا لا يمنع من القول بأنّ المؤسسة الوهابية المعنية كانت على دراية بملف عبد الكريم مطيع ، لذا لم تراهن عليه في تكريس دعوتها في المغرب. بينما لا زالت أكثر من نقطة استفهام تحوم حول خروجه المفاجئ من السعودية باتجاه الكويت التي كانت ثاني محطّة له في المهجر وليست الأولى، ومن ثمة التّوجه إلى ليبيا عبر أوربا. ما هو الدور الذي لعبه طلبة العلم عند العودة إلى المغرب؟ كما هو دورهم في سائر البلاد الأخرى. فهؤلاء أثناء رجوعهم يكونون أكثر حماسا للتبشير بدعوتهم. وسوف نواجه هنا حالة من التنافس الشديد بين هؤلاء الطلبة والدعاة حيث بلغ حدّ السباق على النفوذ الرمزي للدعوة في المغرب. ويحتاج هؤلاء الطلبة والدعاة أن يثبتوا للوهابية في بلاد المركز بأنّهم أكثر من غيرهم حرصا على هذه الدعوة. فترسل التقارير حول نشاطهم ووضعية الدعوة في المغرب ومشاكلها وموارد صرف المال والمبادرة إلى وضع مشاريع لجلب الدعم من المؤسسة الوهابية. هذا من ناحية عامة، أمّا من ناحية الحركة الإسلامية، فقد كان الطلبة والدعاة الذين انخرطوا في صفوفها يعملون على تغيير أهداف الحركة الإسلامية وإشغالها بسؤال العقيدة وتمكين تعاليم ابن تيمية من المعتقد المغربي. لم تكن لتقي الدين الهلالي خصومة مع الحركة الإسلامية. ولا عقدة تجاه الإخوان المسلمين. وقد استطاع تقي الدين الهلالي بعد ذلك أن يخترق الحركة الإسلامية بدعوته الوهابية الأموال التي كانت تصل إلى تقي الدين الهلالي صرفت بشكل أو بآخر في سبيل الدّعوة الوهابية، بينما حرص مطيع أن يوظّف ذلك المال في قضايا أخرى لا صلة لها بالدعوة الوهّابية