بعدما مني بهزيمة تاريخية نكراء وبالضربة القاضية (الكاو) في ملف "كنانيش تحملات القطب العمومي"، بدأت تتكشف بعض الممارسات الخفية التي طبخها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم حكومة عبد الإله بنكيران، أثناء صياغته السرية وأحادية الجانب لتلك "الكنانيش" ذات المضمون الإيديولوجي الذي يريد حزب "البيجيدي" فرضه على تلفزيون كل المغاربة. العديد من المصادر المطلعة جدا على الشأن الإعلامي التي اتصلت بها "النهار المغربية"، أوضحت أن مصطفى الخلفي الذي يواجه انتقادات علنية ولاذعة من طرف غالبية قواعد حزبه الحاكم بسبب خسارته المدوية في معركة "الكنانيش"، تحالف مرحليا مع زمرة من الصحافيين الأشباح في قنوات وإذاعات القطب العمومي من أجل الافتعال التآمري لقضية الإنتاج السمعي-البصري الخارجي الذي يربط بين مؤسسات فيصل العرايشي وشركات الإنتاج الخاصة في إطار عقود مضبوطة. وحسب مصادر "النهار المغربية"، فإن الخلفي استند في "قصفه العشوائي وبالمدفعية الثقيلة لشركات الإنتاج الخاصة إلى تسريبات ملفقة وفضفاضة وغير موثقة... مصدرها صحافيون أشباح في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقناة الثانية، وكلهم يتسابقون ويهرولون من أجل تقديم خدمات سرية ومعلومات، كيفما كانت قيمتها، للوزير الشاب قد تسعفه في صراعه العلني والمباشر مع رئيس القطب العمومي فيصل العرايشي مقابل الحصول على مواقع ومناصب مهنية لايستحقونها بدعم من الوزير الذي مازال تحت وقع صدمة هزيمته المدوية في معركة الكنانيش". وتضيف مصادرنا، أن "تلك التسريبات المغلوطة نشرت في صحف ومواقع الكترونية معينة موالية للخلفي، وبعد ذلك وجدت تلك التسريبات البئيسة صداها في جريدة الحزب الحاكم (التجديد) وفي موقعه الإلكتروني الذي ينشر كل شيء". ولأن تلك التسريبات تعوزها الدقة والحجة الدامغة والأرقام الرسمية وتستند إلى النية المبيتة، يستعد العديد من مسؤولي شركات الإنتاج الخاصة إلى رفع دعاوى قضائية على اعتبار أن سمعتهم الشخصية والأسرية والمهنية لحقها ضرر كبير بسبب اتهامهم المجاني ب"الريع التلفزي والحصول على تعويضات سمينة مبالغ فيها مقابل إنتاجهم لبرامج سمعية-بصرية أغلبها يبث في قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة". وقد شرع فعلا، حسب إفادات مصادر "النهار المغربية"، المنتج التلفزيوني ياسين زيزي في مباشرة رفع دعوى قضائية ضد جريدة الحزب الحاكم (التجديد). وقد يكون قد وقع الاختيار على المحامي البارز والوزير السابق إدريس لشكر المعروف بمرافعاته ذات البعد القانوني والسياسي الرفيع، للدفاع في هذه القضية. ومن المتوقع أيضا أن تحذو شركات الإنتاج المتضررة من نشر معطيات غير صحيحة وملفقة، حذو شركة ياسين زيزي. وإلى حين بروز تطورات فيما أصبح يعرف بملف "صراع مصطفى الخلفي مع شركات الإنتاج"، تبين رسميا أن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، وأثناء إعداد "الكناش" المتعلق ب(دوزيم)، هو من يقف وراء دفع مستخدمين يعملان في (دوزيم) إلى اقتراح بث وإذاعة مواعيد آذان الصلوات الخمس، والبث المباشر لصلاة الجمعة وصلاة العيدين على أمواج إذاعة وشاشة القناة التي يديرها سليم الشيخ ويرأس مجلسها الإداري فيصل العرايشي. ومقابل اقتراح بث وإذاعة مواعيد الصلوات، تقدم صاحبا الاقتراح، بطلب إلى مصطفى الخلفي من أجل مساعدتهما في مشروع يتعلق بإعداد وتقديم برنامج تلفزيوني يعنى بالشؤون الدينية على طريقة حزب (البيجيدي). وهنا يعلق أحد الظرفاء : "لقد تحول الخلفي، في غفلة من الجميع، إلى مدير للبرامج والبرمجة بدرجة وزير. إنه يريد فرض أمور مهنية صرفة ليس له الحق في الخوض فيها بمقتضى الدستور الجديد". وكان صاحبا هذا الاقتراح قد صرحا للصحافة، ولاسيما الإلكترونية منها، أنه "سبق لنا في خلية البرامج الدينية أن تقدمنا بمجموعة من الاقتراحات التي وجدت صدى إيجابيا في دفتر التحملات الجديد". ومن المعلوم أن العنصران، وواحد منهما كان مدرسا في سلك الابتدائي في إحدى القرى النائية قبل أن يجد نفسه – بالصدفة- مستخدما في القناة الزجاجية، تفرغا منذ بداية أزمة "الكنانيش"، بشكل كامل وبتنسيق مع الوزير الخلفي، للتشهير والنيل من سمعة المدير العام لشركة (صورياد – القناة الثانية)، سليم الشيخ، في صحف ومواقع إلكترونية معينة ومن بينها موقع إخباري كان مصطفى الخلفي مراسلا له من المغرب (باسم مستعار) عندما كان يشتغل في صحيفة حزبه، وبعد ذلك مراسلا له من بلد العم سام عندما كان يتمتع بجولة دراسية مولتها منحة أمريكية. وقالا في تصريحاتهما المشتركة لبعض الجرائد والمواقع الإخبارية : "لو اكتفى سليم الشيخ بالتعبير عن وجهة نظره حول دفتر التحملات الجديد، لكان الأمر مفهوما... ما لم نقبله هو أن يحاول السيد الشيخ إعطاء الانطباع بأن موقفه السلبي من دفتر التحملات هو موقف كافة العاملين في القناة". وبلغة المدح والتثمين المفرطين، امتدحا في خرجاتهما المشتركة "بقوة المبادرة التشاركية التي أطلقتها وزارة الاتصال في عهدها الجديد، وهو أمر لم يكن حاصلا خلال إعداد الجيلين السابقين من دفتر التحملات، حيث كانت تُهيأ في كواليس سرية. إننا نعلن عن استعدادنا للانخراط في مسار التنزيل الإيجابي لمضامين الدفتر الجديد" الذي تم تعليقه بسبب تهور وقلة خبرة الوزير، وتسرع حكماء المجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري في المصادقة التي لم تتطلب منهم سوى أقل من يوم واحد، فقط لا غير. والسؤال المطروح أمام هذا الموقف الانتهازي الآن : هو ماذا سيكون وضعهما داخل القناة الثانية والنقابة الوطنية للصحافة المغربية بعد أن اضطر الخلفي إلى التراجع، مهزوما ومكرها، عن دفاتر التحملات التي أثارت تساؤلات ونقاشات سياسية ومهنية كبيرة وعميقة داخل الائتلاف الحكومي وامتدت إلى أحزاب المعارضة والبرلمان والمجتمع برمته من خلال تنظيماته المدنية في الداخل والخارج، وهو ما استدعى تحكيما ملكيا أعاد الأمور إلى نصابها. وتجدر الإشارة إلى أنهما عضوان في تنسيقية النقابة الوطنية للصحافة المغربية في "دوزيم". وفي سياق متصل، دعا الشخصان في بلاغاتهما المشتركة قبل تعليق الحكومة ل"كنانيش الخلفي"، عبر ما يسمى ب"مركز"(هما) المختص في القضايا الاستراتيجية العريقة ذات الصلة الوثيقة بأبعاد "ثقافة البروباغندا وفنون التبلحيس"، إلى تأسيس (تكتل وطني) يتكون من تنظيمات جمعوية عتيدة، وذلك من أجل متابعة ما أسماه المركز "مدى التزام المؤسسات الإعلامية المعنية بمقتضيات دفاتر تحملات متعهدي الاتصال السمعي-البصري التي أعلنت عنها وزارة الاتصال أخيرا". والمركز الذي يشغل واحد منهما "رئاسته" العالمية والثاني "أمانته العامة" القطرية، طالب بالتصدي لما وصفهم ب"جيوب مقاومة الإصلاح التي كشفت في الآونة الأخيرة عن أقنعتها، واصطفت بجانب من نفروا المواطن المغربي من إعلامه العمومي، وحاولوا الإساءة إلى ذوقه وقيمه وذاكرته وتشويه مفهوم الانفتاح الإيجابي على ثقافات الغير". وأثنى المركز في بلاغ صدر مؤخرا، على المواقف التي أبان عنها العديد من العاملين في قنوات القطب العمومي وخاصة المنضوون تحت لواء اتحاد نقابات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ونقابة مستخدمي القناة الثانية وأعضاء من تنسيقية النقابة الوطنية للصحافة المغربية في "دوزيم" في إشارة إلى المستخدمين المذكورين واصفا إياها ب"الموضوعية والجادة". كما أعرب المركز، في الوقت ذاته، عن استغرابه من السلوك "السلبي" الذي بدر من طرف بعض الجهات المحدودة جدا التي قال إنها "عسكرت في أبراجها العاجية إلى حين صدور الدفاتر، فانبرت تهاجمها من غير بيّنة وبدون وجه حق". وكان الوزير الشاب مصطفى الخلفي قد أشار يوم السبت الماضي (12 ماي) في باريس، إلى أنه لا ينبغي أن يرتكز النقاش على الحريات لأنها تعد مكسبا، بل ينبغي أن ينصب على "الحكامة والشفافية واستقلال الخط التحريري"، والتي تتطلب وجود دفاتر تحملات جديدة لضمان "وسائل إعلام مسؤولة وحرة وتنافسية". وأكد الخلفي، خلال نقاش مفتوح في إطار الأيام الخامسة للشباب المغربي المنظمة من طرف جمعية الطلبة المغاربة بالمدارس العليا بفرنسا، على أن الأمر لا يتعلق "بالتراجع عن خيار الانفتاح والتنوع اللذين يشكلان مصدر قوة، وإنما العمل على تعزيز والحفاظ على الهوية المغربية، وبالتالي التعددية في ظل الوحدة الوطنية"، مبرزا التمسك بمفهوم الخدمة العمومية وضرورة تحسين جودة المنتوج الإعلامي، بما في ذلك الإنتاج السينمائي. وحسب الصحيفة اليومية المدافعة وبلا حدود عن برامج الحزب الإسلامي الحاكم (عدد الإثنين 14 ماي)، فإن : "عاصفة تنتظر مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، داخل حزب العدالة والتنمية..."، وأشارت اليومية إلى "استعداد عدد من أعضاء المجلس الوطني للحزب للمطالبة باستدعائه لمساءلته حول مآل معركته بخصوص دفاتر التحملات الجديدة للقنوات التلفزيونية العمومية". وكان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، قرر خلال مجلس الحكومة ليوم الخميس الفائت (10 ماي) تمديد العمل بدفاتر التحملات القديمة الخاصة بشركتي القطب العمومي السمعي-البصري إلى غاية نشر الدفاتر الجديدة في الجريدة الرسمية، وذلك بعد إدخال التعديلات اللازمة. وعقب المجلس الحكومي، قال مصطفى الخلفي في لقاء صحافي إن "وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة محمد نبيل بنعبد الله تقدم بعرض حول نتائج أعمال اللجنة الوزارية المكلفة بدفاتر التحملات الخاصة بشركتي القطب العمومي السمعي-البصري، حيث اعتمدت الحكومة توصية اللجنة القاضية بتمديد العمل بدفاتر التحملات القديمة إلى غاية نشر الدفاتر الجديدة في الجريدة الرسمية، وذلك بعد إدخال التعديلات اللازمة". وفي الأخير نتساءل، ترى كيف سيتعامل مصطفى الخلفي في المستقبل القريب مع ملفين كبيرين وشائكين هما : تشكيل "المجلس الأعلى للصحافة" ومشروع قانون الصحافة الجديد؟ المراقبون يتوقعون هزيمة مدوية أخرى للوزير الشاب الذي تعرض لتقريع شديد من طرف رئيسه عبد الإله بنكيران بسبب "الكنانيش" التي لم يتشاور بشأنها لا مع المكونات الحزبية المشكلة للحكومة ولا مع المهنيين ولا مع ممثلي المجتمع. لقد تشاور الخلفي مع الخلفي والنتيجة تعليق "الكنانيش".