لم يحمل البرنامج الحكومي الذي ينتظر أن يصادق عليه اليوم في اجتماع المجلس الحكومي قبل عرضه على البرلمان، أي جديد مقارنة مع برنامج حكومة عباس الفاسي التي لازالت ترخي بظلالها على حكومة بنكيران، اللهم إضافة محور يتعلق بالتنزيل الديمقراطي للدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة في فاتح يوليوز من السنة الماضية. ووفق مصادر عليمة، فالبرنامج الحكومي يتضمن خمسة محاور أساسية تتلخص في محور التنزيل الديمقراطي للدستور والهوية الوطنية والوحدة الترابية والمحور الاجتماعي والمحور الاقتصادي ومحور الاستثمار ومحورا أخيرا يهم الدبلوماسية. المصادر قالت، إن كثيرا من صفحات التصريح الحكومي لم تأت بجديد هي فقط صفحات مستنسخة، بل إن مجموعة من المخططات والمشاريع الكبرى تمت إضافتها إلى البرنامج الحكومي كما هي ودون أي تغيير، خصوصا المخطط الأخضر الذي سيواصل عزيز أخنوش الاشتغال عليه والمخطط الأزرق والمغرب الصناعي والمغرب الرقمي ومشروع الطاقة البديلة. التنزيل الديمقراطي للدستور ركز التصريح الحكومي الذي احتاج لأكثر من شهر ليكون جاهزا على التنزيل الديمقراطي للدستور الجديد مع التركيز على الثوابت الوطنية للأمة، وعن الهوية المغربية والوحدة الوطنية، وهي أمور اعتبرتها المصادر ثابتة لا تحتمل أي نقاش، ولم يحمل التصريح الحكومي أي جديد بخصوص هذه النقطة، حيث ركز على الملاحظات التي أثيرت خلال النقاشات السياسية التي عرفها المغرب بعد اعتماد الدستور الجديد، على اعتبار أنه دستور متقدم من الناحية السياسية، حيث ستتحمل الحكومة الحالية مسؤولية تنزيل مضامينه وفق مبدإ الحكامة الجيدة. وتمثل الوحدة الوطنية والدفاع عن المكتسبات السيادية أهم نقطة في المحور السياسي، إلى جانب تعزيز الحكامة والجهوية الموسعة، التي تم التنصيص عليها في الدستور الجديد كمكون أساسي في أفق تعزيز الديمقراطية المحلية، واقتصر التصريح الحكومي على التأكيد على أن الحكومة ستواصل دفاعها عن الثوابت الكبرى، وعلى الوحدة الوطنية في إطار السيادة المغربية. حكومة بنكيران تراجع حساباتها الاجتماعية تراجع التصريح الحكومي في شقه الاجتماعي عن مجموعة من المقترحات التي اعتمد عليها برنامج حزب العدالة والتنمية الانتخابي، وبدا لافتا غياب الحديث عن الحد الأدنى للأجور الذي حدده البرنامج الانتخابي لحزب المصباح في مبلغ 3000 درهم، ليعوضه بالحديث عن الرفع من الحد الأدنى للأجور في أفق الوصول إلى مبلغ 3000 درهم، وكان مقترح الرفع من السميك قد أثار ضجة واسعة خاصة لدى أرباب المقاولات الصناعية الذين يعتبرون أنفسهم أكبر متضرر من مثل هذه المقترحات، على اعتبار أن ذلك سيؤدي إلى رفع كتلة الأجور والتعويضات الاجتماعية الموازية، وأشارت مصادر متطابقة، إلى أن حزب الاستقلال كان حازما في هذه النقطة، حيث شدد على ضرورة حذف المقترح من البرنامج الحكومي أو على الأقل تعديله ليتلاءم مع الظرفية الاقتصادية للبلاد التي تعاني حالة ركود متقدم. وبخصوص ملف التشغيل أكد البرنامج الحكومي على أن الطموح هو الوصول إلى خفض البطالة بنسبة تتراوح بينم 7,5 في المائة و7 في المائة، كما تضمن توفير ما بين 70 ألف و100 ألف وظيفة، وهو رقم يخالف توقعات برنامج المصباح الذي أكد على قدرة الحزب في الوصول إلى 250 ألف وظيفة، ولن تتعدى عدد الوظائف في القطاع العام بحسب التصريح الحكومي 20 ألف وظيفة، وهو ما يهدد السلم الاجتماعي، خصوصا أن الخصاص أكبر من العرض، وتوقعت المصادر، أن يجر التصريح الحكومي كثيرا من المتاعب على حكومة بنكيران خاصة من قبل حاملي الشهادات المعطلين والمجازين الذين هددوا في وقت سابق بإغراق شوارع العاصمة الرباط، ووصفت المصادر التصريح الحكومي بالفضفاض، حيث إذ لم يحدد طبيعة الوظائف الممكنة، ولا دور القطاع الخاص الذي اعتبرت المصادر أنه سيكون المحرك الأساسي لدورة الإنتاج، مما قد يساهم في التخفيف من البطالة المنتشرة، وأوضحت المصادر، أن توقع خفض البطالة بنقطتين مقارنة مع معدل حكومة عباس الفاسي سيكون رهينا بالنمو الاقتصادي، ووضعية السوق، مشددة على أن حكومة بنكيران ستحتاج إلى معجزة حقيقية من أجل تحقيق توقعاتها على مستوى التشغيل، مؤكدة على أن المحور الاجتماعي لم يأت بجديد، خصوصا ما يتعلق بتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وضمان الحد الأدنى من الخدمات الأساسية على مستوى التعليم والصحة. الأزمة الاقتصادية تخلط حسابات بنكيران حدد التصريح الحكومي نسبة النمو السنوي في أقل من 5,5 في المائة، وهو معدل بعيد عن توقعات حزب العدالة والتنمية التي اعتمدت على الشعارات الفضفاضة من قبيل محاربة الفساد والاستبداد، حيث حددت نسبة النمو في 7 في المائة، وهو ما أثار حفيظة حلفاء العدالة والتنتمية خاصة حزب الاستقلال بحكم معرفته بالظرفية الاقتصادية التي يجتازها المغرب، وتوقعت المصادر، أن يحقق المغرب نسبة نمو لا تتجاوز 3,5 في المائة، بسبب الجفاف الذي يضرب المغرب هذا الموسم، والركود الاقتصادي المرتبط بالأزمة العالمية، وتراجع صادرات المغرب مقابل ارتفاع قيمة الواردات متأثرة بارتفاع سوق النفط، واضطرار المغرب إلى استيراد كميات مرتفعة من الحبوب لمواجهة عجز السوق الداخلي، وأشارت المصادر، إلى أن التصريح الحكومي جاء متطابقا مع الوضعية الراهنة، وهو ما اعتبرته المصادر، جوابا على أحلام العدالة والتنمية التي حاولت اللعب على الوتر الحساس قبل أن تضطر إلى العودة إلى الواقع، وأشارت المصادر، إلى أن حكومة بنكيران سيكون عليها اتخاذ مجموعة من الخطوات من أجل الحفاظ على الوضع الاقتصادي الحالي، وتفادي الدخول في أزمة اقتصادية قد تعصف بالاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي جعل كثيرا من المحللين يدقون ناقوس الخطر مطالبين بإجراءات عملية لمنع الأزمة أو على الأقل الحد من تداعياتها. الاستثمار النفق المسدود لحكومة بنكيران يرى كثير من المحللين، أن التصريح الحكومي لم يأت بأي جديد بخصوص الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية، وحدد التصريح مجموعة من الخطوات التي سيتم اتخاذها لتنشيط الدورة الاقتصادية وتشجيع الشركات على الاستثمار خاصة في مجموعة من القطاعات الحيوية، وأكد التصريح الحكومي، على تخفيض الضرائب على الشركات وذلك في أفق تشجيع الاستثمار، وأشارت المصادر، إلى أن المغرب يعيش وضعية اقتصادية صعبة جعلت كثيرا من الشركات العالمية تحجم عن استثمار مزيد من أموالها في المغرب، وهو ما اعتبرته المصادر، خطرا كبيرا سيؤثر على الاقتصاد الوطني وستكون له تبعات اجتماعية خطيرة قد تهدد المجتمع المغربي، وأوضحت المصادر ذاتها، أن كثيرا من القطاعات تشهد حالة من الغليان بسبب إقدام عدد من الشركات على توقيف نشاطها، وأوضحت أيضا، أن حكومة بنكيران سيكون عليها تدبير الملف بكثير من الفعالية، وخصوصا إقناع كثير من الشركات الأجنبية بالعودة إلى الاشتغال في المغرب، عبر تقديم كثير من الضمانات. واعتبرت المصادر، أن تركيز البرنامج الحكومي على سياسة بديلة هو من قبيل اللعب على المفردات مادام أن الاستثمار في المغرب مرتبط أساسا بالاستقرار السياسي وبالضمانات التي يمكن أن تقدمها الحكومة من أجل الحفاظ على مصالح المستثمرين. الدبلوماسية نقطة ضعف حكومة بنكيران اعتبرت كثير من المصادر أن تعيين الدبلوماسي يوسف العمراني وزيرا منتدبا في حكومة بنكيران، كان بمثابة صمام الأمان، حتى لا تغرق الدبلوماسية المغربية التي يتحمل حقيبتها سعد الدين العثماني، وأبانت المصادر، أن أولى نقائص دبلوماسية بنكيران التأكيد في البرنامج الحكومي على اعتماد دبلوماسية نشيطة، وكأن دبلوماسية المغرب ظلت إلى حين صعود حكومة بنكيران جامدة وغير ذات فعالية، وأوضحت، أن الدبلوماسية ليس مجرد استقبالات تتم غالبا في إطار أجندة سياسية عادية، ولكنها تمثل صورة المغرب في الخارج، وأشارت، إلى أن البرنامج الحكومي لم يقدم أي بدائل بشأن الدبلوماسية المغربية التي حققت تقدما ملموسا على عهد الوزير السابق الطيب الفاسي، وهو ما مكن المغرب من الحصول على مقعد بمجلس الأمن، مما اعتبرته المصادر، نجاحا كبيرا للدبلوماسية المغربية، إضافة إلى إقناع كثير من الدول خاصة على مستوى القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية بسحب اعترافها بجمهورية الوهم، في المقابل شددت المصادر، على ضرورة الحفاظ على المكتسبات التي تحققت مع ضمان الاستمرارية، مشيرة إلى أن الخطوط العريضة للدبلوماسية المغربية واضحة، وأن التفاصيل يمكن أن تشكل الاستثناء. برنامج "الكوبي كولي" لم تجد اللجنة الخماسية التي انتدبت لإعداد التصريح الحكومي حرجا في استنساخ مشاريع جاءت بها حكومة عباس الفاسي، إضافة، إلى تنزيل الأوراش الكبرى من قبيل المخطط الأخضر الذي يشرف عليه عزيز أخنوش كما كان الحال في حكومة عباس الفاسي، ومن المشاريع الكبرى التي تضمنها تصريح بنكيران مشروع "أليوتيس" للصيد البحري الذي اعتبره كثيرون بأنه المدخل الأساسي لتطوير قطاع الصيد البحري، كما تضمن التصريح مخطط المغرب الصناعي والمغرب الرقمي والاستراتيجية الوطنية للصناعة التقليدية ومخطط الطاقة البديلة، وهي كلها مشاريع وطنية انطلقت منذ مدة بل وبدأ بعضها يعطي أكله، كما أن التصريح الحكومي تضمن رؤية 2020 للسياحة، والتي تعتبر بوابة المغرب نحو ولوج مزيد من الأسواق الدولية، إصافة إلى تطوير البنية السياحية المغربية.