دافع عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن التناوب التوافقي في فترة حرجة من تاريخ المغرب، وصفها المرحوم الحسن الثاني بقرب السكتة القلبية، واستمات في مشاركة المعارضة التي ظلت مناهضة للحكم لمدة أربعين سنة، في تدبير الشأن العام، بعد أن كانت المعارضة قد رفضت تسيير حكومة يضمن لها الملك أغلبية ويضمن لها سلما اجتماعيا لمدة سنة، وقد تمكن اليوسفي من التأسيس لنمط جديد في الحكم بالمغرب ألا وهو دخول المعارضة للحكومة وتشكيل أغلبية مع أحزاب كانت تصفها في السابق بالأحزاب الإدارية. وبعد أن أنهت حكومة اليوسفي مهامها وأجريت انتخابات تشريعية حصل فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على الرتبة الأولى لم يستطع هذا الأخير إقناع حليفه الرئيسي في الكتلة الديمقراطية بقيادة الحكومة الجديدة، وطالب الاستقلال بحقه في الوزارة الأولى بمنطق ما أصبح معروفا ب"مولة نوبة"، وبعد أن اشتد الخصام بين الحليفين اضطر الملك محمد السادس إلى تعيين رجل تقنوقراطي، إدريس جطو في منصب الوزير الأول، وكان الاتحاد الاشتراكي بقيادة محمد اليازغي، الكاتب الأول آنذاك، قد أصدر بيانا عبارة عن وثيقة تاريخية دافع فيها عن المنهجية الديمقراطية، التي تعني تولي الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية منصب الوزارة الأولى، لكن مساعيه ذهبت دون جدوى، واستفاد منها حزب الاستقلال في محاولة لتكريس جديد، هذا العرف الذي سيصبح دستوريا مع دستور يوليوز الماضي، حيث نص الفصل السابع والأربعون منه على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالرتبة الأولى. وللتاريخ، فإن الاتحاد الاشتراكي هو الذي دافع عن المنهجية الديمقراطية وناضل من أجلها غير أن غيره هو الذي استفاد منها، وهذا منطق التاريخ وإرادة الصناديق التي منحت العدالة والتنمية الرتبة الأولى، "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وما كان عرفا أصبح اليوم دستوريا وتم تكريسه مع تعيين جلالة الملك لعبد الإله بنكيران الأمين العام للعدالة والتنمية، رئيسا للحكومة. غير أن بنكيران يريد أن ينتقل من المنهجية الديمقراطية إلى المنهجية التشاركية، مع وجود لبس وغموض يلفان هذا المفهوم لدى الحزب الأول حسب ترتيب صناديق الاقتراع. ولم يبين الحزب ما المقصود بالمنهجية التشاركية، وهي لا تعني طبعا إشراك أحزاب أخرى في الحكومة لأن هذا تحصيل حاصل باعتبار أن الصناديق لا تمنح حزبا بعينه أغلبية مطلقة تجعله في غنى عن غيره، ولكن تعني التشارك في تدبير القطاعات الحكومية، وهو ما سيطرح إشكالات عديدة على الأحزاب التي ستشارك في الحكومة. فهل يعني التشارك الحد من استقلال الوزراء في تدبير القطاعات التي يتولون تدبيرها؟ أم يعني مسؤولية الحكومة عن نجاح وفشل كل قطاع من القطاعات؟ فبنكيران وبطريقة قراءته للمرجعية الإسلامية يعني بالتشارك مسؤولية رئيس الحكومة عن تدبير كافة القطاعات، وبالتالي فإن أي وزير من خارج الحزب سيدبر وزارة السياحة أو التنمية الاجتماعية سيجد نفسه في تعارض مع رؤى حزب العدالة والتنمية للقطاعين ويمكن أن يضاف إليهما قطاع التعليم.