أثارت مناقشة مشروع القانون التنظيمي عدد 13-100المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب عدة ردود فعل خصوصا فيما يتعلق بتحديد السلطة التي تتبع لها النيابة العامة، وتباينت المواقف بين مؤيد ومعارض لبقاء النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل. إلا أن الجدلية المعروضة للنقاش لا تقتصر على مجرد تحديد الجهة التي ستكون النيابة العامة تابعة لها ، بل لا بد من منهجية دستورية تؤسس لهذا أو ذاك من الموقفين المتضاربين. فالهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي تم تنصيبها من طرف صاحب الجلالة يوم 8 مايو 2012، اشتغلت لمدة سنة كاملة وخلصت ، بعد عمل جبار مشهود به، إلى صياغة ميثاق إصلاح لمنظومة العدالة، الذي ارتكز على ستة أهداف إستراتيجية يتقدمها هدف تحقيق استقلال السلطة القضائية. ولا يخفى على أحد أن صاحب الجلالة قد أعرب من خلال خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2013 عن ارتياحه للتوصل إلى الميثاق المذكور، وألح على وجوب أن نتجند جميعا من أجل إيصال هذا الإصلاح الهام إلى محطته النهائية. ويحق لكل مغربي أن يعتز بما أنجزته الهيئة العليا من عمل مَكَّنَ من الإحاطة بكل جوانب الإصلاح التي تستوجبها حالة المنظومة القضائية بالمغرب، وهو عمل مشهود به على الصعيد الدولي. إلا أن هذا العمل لا يظفي على ميثاق إصلاح العدالة القدسية التي يحاول البعض إضفائها عليه تجنبا لكل نقاش فعال ومجدي، خصوصا وأن الهيئة العليا التي اعتنت بمعالجة مشاكل المنظومة القضائية واقترحت حلول الإصلاح بشأنها، لم تتطرق لعلاقة السلطة القضائية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، ولم تشتغل على ضرورة مد جسور التواصل الدستوري بينها وبين السلطتين المذكورتين ، اللهم ما تضمنه الهدف الفرعي الخامس في باب توطيد استقلال السلطة القضائية من تنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل في شؤون منظومة العدالة لا سيما فيما يتعلق بتعيين مسؤولي مصالح كتابة الضبط بالمحاكم ، ومشاريع البنيات والتجهيز والتنسيق بينهما لتدبير المرحلة الانتقالية..... و استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن مشاريع القوانين المتعلقة بمنظومة العدالة. فعلاقة السلط شأن دستوري صرف، وكان على المشرع الدستوري الذي وضع السلطة القضائية في مستوى سلطة دستورية إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية أن ينكب على تحديد طبيعة وحجم العلاقات بين السلطة القضائية والسلطتين الأخرتين، وتحديد آليات للتفاعل بينها تحقيقا لمبدأ السلطة تحد السلطة فالنظام الدستوري للمملكة يقوم على مبادئ لا تخفى أهميتها أوردها كلها الفصل الأول من الدستور وهي: فصل السلط، وتوازنها، وتعاونها، والحكامة الجيدة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة . وإن كان الدستور قد اعتنى في بابه السابع بترسيخ فصل السلطة القضائية، من خلال استقلالها، عن السلطتين الأخرتين واستقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية إداريا وماليا، فإنه لم يورد أي مقتضى يؤسس لمبادئ التوازن بين السلطات الثلاثة، ولإرساء قواعد الحكامة الجيدة في علاقات تلك السلط ببعضها، وربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة للمؤسسات القضائية بصفتها مرافق عمومية رغم ما يطبعها من خصوصيات. وهكذا لم يعتمد الدستور أيا من آليات التوازن المعهودة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من قبيل الرقابة البرلمانية المفروضة على الحكومة من خلال حصول هذه الأخيرة على ثقة مجلس النواب، والمساءلة الشفوية والكتابية ، ومساءلة رئيس الحكومة شهريا حول السياسة العامة، وتقديم ملتمس للرقابة بالنسبة لمجلس النواب وملتمس للمساءلة بالنسبة لمجلس المستشارين، وإمكانية تشكيل لجان لتقصي الحقائق... مقابل هذه السلطات المخولة للبرلمان، يتوفر رئيس الحكومة على حق المبادرة التشريعية، وللحكومة حق الأسبقية في جدول أعمال كل مجلس من مجلسي البرلمان، ولرئيس الحكومة إمكانية ربط، لدى مجلس النواب ، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنحها الثقة في موضوع له علاقة بالسياسة العمومية أو بشأن نص يطلب المصادقة عليه، وله كذلك حق حل مجلس النواب. وبتفاعل كل هذه الصلاحيات يحدث التوازن بين السلطتين، الذي من دونه من حقنا أن نخشى تغول هذه السلطة أو تلك وهيمنتها على السلطة الأخرى. ولو لم تكن السلطة التنفيذية هي المسؤولة عن تحديد السياسات العمومية وتنفيذها، ومن ضمنها السياسة القضائية بكل معالمها ومكوناتها، ولو لم تكن السلطة التشريعية مسؤولة عن تقييم السياسات العمومية ومساءلة السلطة التنفيذية بشأنها،لما طرحنا للنقاش إشكالية التوازن بين السلطة القضائية والسلطتين الأخرتين. فالحكومة يجب أن تبقى مسؤولة عن تحديد السياسة القضائية للبلاد، والبرلمان يجب أن يفسح له المجال لتقييم تلك السياسة، ومحاسبة الحكومة بشأنها. وإن لم يكن من غير المنطقي إخضاع علاقة السلطة القضائية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية لنفس المنطق ونفس الآليات التي تنظم العلاقة بين هاتين السلطتين، فإنه من غير المنطقي كذلك وضع السلطة القضائية في معزل تام عنهما بذريعة ضمان استقلالها. ولتطوير النقاش وتعميقه لا بد من تحليل مفهوم استقلال السلطة القضائية كما أورده الدستور، والذي طغى على ما يبدو على توجه المشرع الدستوري، لنسجل بداية أن الدستور الذي أكد على استقلال السلطة القضائية في الفصل 107 ، وحصن هذا الاستقلال بضمانة ملكية، انتقل مباشرة إلى تحميل القاضي واجب الاستقلال في الفصل 109، واعتبر كل إخلال بهذا الواجب خطأ مهنيا جسيما بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. ومرد هذا التمييز أن القاضي مسؤول بمقتضى الفصل 117 من الدستور عن حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم ، وتطبيق القانون. وحتى يتسنى له الاضطلاع بهذه المسؤولية الجسيمة، فإن الدستور حَمَّلَهُ واجب الاستقلال والتجرد ، ليس لشخصه، ولكن كحق من الحقوق المعترف بها دستوريا للأشخاص والجماعات، وحصنه من كل تدخل في مهمته القضائية بأوامر أو تعليمات أو ضغوط، كما حَوَّلَ إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحيات ضبط المسار المهني للقاضي وتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص التعيين والترقية والتقاعد والتأديب. ويستفيد من هذه الضمانات التي نعتبرها أساسية كل القضاة، سواء تعلق الأمر بقضاة الحكم أو قضاة النيابة العامة، ما دام أن القضاة يكونون هيئة واحدة لا تمييز فيها بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة، بدليل أن قاضي الحكم يمكن له أن يتولى مسؤولية النيابة العامة، والعكس صحيح. وهناك من يسارع إلى القول إن ضمانات استقلال القضاة لا يمكن أن تتحقق إلا بفصل كل القضاة عن تأثير السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل، إلا أن هذا الاتجاه لا يكرسه الدستور الذي إن كان قد حَمَّلَ القاضي في الفصل 109 واجب الاستقلال والتجرد كشرط لحماية الحقوق والحريات، فإنه أردف مباشرة في الفصل 110 بالتأكيد على ضرورة التزام قضاة النيابة العامة بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها. وحبذا لو عرف الدستور بالسلطة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة، إلا أنه لم يفعل، وترك هذا الأمر للقوانين التنظيمية ذات الصلة. إلا أن المقتضيات الواردة في الفصلين 109 و 110 تفرض التأمل في طبيعة مهام النيابة العامة التي تختلف عن مهام القضاء الجالس. فالنيابة العامة تسهر على تنفيذ السياسة الجنائية ولها من الصلاحيات ما يمس جل المجالات العمومية ويمس بالنظام العام. وهذه الصلاحيات لا يمكن ممارستها دون هامش كبير من سلطة الملاءمة من حيث إجراء البحوث وفتح التحقيقات وتحريك المتابعات وتقديم الطعون، سلطة تساهم بقدر كبير في الحفاظ على التوازنات الاجتماعية الأساسية. وسلطة الملاءمة هذه من خاصيات النيابة العامة التي يجب استحضارها في كل نقاش يهم موقع النيابة العامة في المنظومة القضائية. أما القضاء الجالس فإن مهمته الأساسية تتجلى في إصدار الأحكام، وهي مهمة لا مجال لسلطة الملائمة فيها، بل تخضع للقواعد المسطرية ولقوانين الموضوع المطبقة على كل نازلة. ونظرا لاختلاف المهام المنوطة بالقضاء الجالس عن المهام المنوطة بقضاة النيابة العامة من حيث طبيعتها فإنه يصعب القول باستقلال هؤلاء دون السقوط في تناقض بَيِّن مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 110 من الدستور التي تُحَمِّلهم واجب تطبيق التعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، وما يسميه البعض استقلال قاضي النيابة العامة ينحصر في الضمانات التي تُحَصِّن مساره المهني بقوة الفصل 109 من الدستور، والتي يشترك فيها مع قضاة الحكم على قدم المساواة. وبالطبع فإن التعليمات التي يمكن أن يتلقاها قاضي النيابة العامة هي تلك التي حددها الدستور بصفة حصرية، أما باقي التعليمات أو الأوامر أو الضغوط أو الممارسات التي تهدف إلى التأثير على قاضي النيابة العامة فإنها محظورة بقوة القانون ، ومن واجب هذا الأخير أن يفضح مرتكبيها، إن هي مورست عليه. فاستقلال قاضي النيابة العامة يختلف إذا من حيث مضمونه وتجلياته عن استقلال قاضي الحكم. وأن تتبع النيابة العامة لسلطة الوكيل العام للملك بمحكمة النقض أو لسلطة وزير العدل، فإن هذا الأمر ليس فيه ما يخالف الدستور. فما هي إذن الوضعية التي ستحقق الملاءمة التامة بين ضرورة المحافظة على الضمانات المهنية الممنوحة لقضاة النيابة العامة وواجب تطبيق التعليمات الكتابية القانونية التي يتلقونها. ومن هي السلطة التي سيتبع لها قاضي النيابة العامة: أهو الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض كما أوصت به الهيئة العليا في النقطة 37 من آليات تنفيذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وتضمنه مشروع القانون التنظيمي رقم 13-100 في المادة 103، أم هو وزير العدل الذي يشرف على تنفيذ السياسة الجنائية بمقتضى المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية. إننا نضع أسئلة ليست لنا أجوبة جاهزة عنها مادام أن النقاش بشأنها مازال مفتوحا أمام المؤسسة التشريعية. إلا أن لنا مواقف راسخة من حيث ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح جسور للتفاعل والتعاون بين السلط، وتحصين الضمانات الممنوحة للقضاة في كل ما له علاقة بحياتهم المهنية. ففي باب ربط المسؤولية بالمحاسبة كيف يمكن أن نوفق من جهة بين سلطة الحكومة في تحديد السياسة الجنائية وحق السلطة التشريعية في مساءلة الحكومة حول هذه السياسة، وما أوردته النقطة 41 من آليات تنفيذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة، والتي أناطت بالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقديم تقرير سنوي إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية يكون موضوع نقاش داخل المجلس. وللأسف ، فإن المادة 103 من مشروع القانون التنظيمي رقم 13-100 قد كرست هذا التوجه من دون أن يهتم محررو المشروع بمعالجة كل ما يتضمنه من تناقضات، وما ينذر به من مشاكل ومواقف لا تخدم المصلحة العليا للبلاد. إذ، وحسب هذا المنطق الغريب، فإن الحكومة تضع السياسة الجنائية، والوكيل العام ينفذها، وعوض أن يحاسب أمام السلطة التشريعية التي هي سلطة الرقابة الدستورية، يقتصر الأمر على مناقشة تقريره داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية. أليس في هذه المنجهية مساس بصلاحيات الحكومة والبرلمان على السواء؟ وكيف يمكن للبرلمان أن يُحاسب السلطة الحكومية عن سياسة لم تعد هي المسؤولة عن تنفيذها؟ وكيف سيُساءل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض عن تنفيذ سياسة جنائية ليس هو من وضعها، ومن هي السلطة التي ستتولى مسائلته في إطار التفاعل والتوازن بين السلط؟ وإن كان الوكيل العام للملك سيقدم تقريره حول تنفيذ السياسة الجنائية أمام الهيئة العليا للسلطة القضائيةّ، أليس حريا بهذه السلطة أن تتكفل بوضع تلك السياسة ومراقبة تنفيذها، بل وأن تحدد السياسة القضائية للبلاد بكل تجلياتها وتسهر على تنفيذها ! إلا أن ما أناطه الفصل 113 من الدستور بالهيئة العليا للسلطة القضائية من صلاحيات لا سعفنا في التوسع في هذه الفكرة . فالهيئة العليا مكلفة دستوريا وبصفة حصرية: بتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة في كل ما له علاقة باستقلالهم ومسارهم المهني ، ووضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة وإصدار التوصيات الملائمة بشأنها، وإصدار آراء مفصلة حول مشاكل العدالة بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان. لذا فإن السؤال لا يزال مطروحا حول كيفية تدبير هذا التناقض البَيِّنِ. أما في باب التعاون بين السلط فإن القطيعة بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ومكونات السلطة القضائية، وبالخصوص مع النيابة العامة تُنْذِرُ بمشاكل عديدة سوف تضرب في العمق مبدأين دستوريين هما مبدأ التعاون ومبدأ الحكامة الجيدة. وليس الحل في الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل المحدثة بمقتضى المادة 51 من مشروع القانون التنظيمي رقم 13-100، لأن هذه الهيئة لا سلطة لها، ويقتصر دورها على التنسيق في مجال الإدارة القضائية فقط. وليس الحل كذلك في التقارير والآراء التي يصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 113 من الدستور، والتي لم يورد الباب الثالث من القسم الرابع من مشروع القانون التنظيمي رقم 13-100 أي جديد بشأنها، اللهم ما تنص عليه المادة 102 من إحالة نسخة من التقرير السنوي، الذي يرفعه المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى الملك حول حصيلة عمله وآفاقه المستقبلية ، إلى رئيس الحكومة قبل نشره بالجريدة الرسمية . بل لابد من إيجاد آليات للتعاون الوثيق لضمان نجاعة الأداء القضائي اليومي بعيدا عن التشنجات والإصطدامات، الأمر الذي يسوقنا إلى التساؤل حول تداعيات ضعف علاقة التعاون بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بالنظر إلى ضوابط الحكامة الجيدة. فلنتصور مثلا ما يمكن أن يطرأ من خلافات بين رئيس محكمة أو رئيس نيابة عامة لا علاقة لأي منهما بوزير العدل، وبين رئيس كتابة الضبط بنفس المحكمة الذي يخضع لسلطة هذا الوزير. فمن هي الجهة التي ستفصل في النزاعات المحتملة؟ ولنتصور ما يمكن أن يطرأ من خلاف بين السلطة القضائية والوزارة لأسباب لها علاقة بتجهيز المحاكم وتأهيلها. أما في باب تحصين الضمانات الممنوحة لقضاة النيابة العامة كيف يمكن لقاض بالنيابة العامة يخضع قانونا للتعليمات التي يتلقاها من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أي من جهة تتحكم في مساره المهني عبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بما في ذلك مسطرة التأديب، أن يرفض تطبيق – أو حتى يُناقش - أي أمر يرد عليه في ظل هذه الهيمنة المطلقة؟ لسنا في هذا الباب أمام مجرد إشكالية نظرية. فقضاة الحكم لا يتلقون أي تعليمات من أي جهة ولو كانت الهيئة العليا للسلطة القضائية، ويصدرون الأحكام وفقا للإجراءات المسطرية وطبقا للقانون، مع كل ما تنص عليه المساطر المعمول بها من طرق للطعن أو المراجعة كوسائل قانونية لتصحيح تلك الأحكام. أما قضاة النيابة العامة فإنهم يتلقون التعليمات بقوة النص الدستوري، ويستحب أن لا يواجهوا داخل الهيئة العليا للسلطة القضائية بالجهة التي يتلقون منها تلك التعليمات. أليس من المجدي إخضاع النيابة العامة لسلطة خارجة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لتفادي هذه الهيمنة؟ وهل من حل دون الإبقاء على سلطة وزير العدل على النيابة العامة؟ وهل اعتنى مشروع القانون التنظيمي المطروح للنقاش بتحصين قضاة النيابة العامة الذين ينفذون التعليمات التي يتلقونها كتابة أيا كانت طبيعتها، وحمايتهم من كل عواقب محتملة على مسارهم المهني؟ لكل هذه الاعتبارات ندعو إلى التريث والتفكير مليا في الإشكالات التي يطرحها المشروع والعمل على إيجاد حلول بدل التسرع وإحداث قطيعة بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية، واعتماد مبدأ التدرج في الإصلاح حتى لا نتقدم خطوة إلا بعد تقييم وتصحيح ما تحقق من الخطوة التي سبقتها، وفي ذلك ضمانة أساسية لنجاح الإصلاح. ونتمنى صادقين أن يساعد هذا العمل المتواضع على بعث الوعي بجسامة التحديات المطروحة ومعالجتها بعيدا عن كل اعتبارات، ذاتية كانت أو سياسية ،والله الموفق.