هم ثلة من الشباب والأطفال، يتقمصون دور شخصيات حيوانية أليفة، بهدف ربط الماضي بالحاضر والاحتفاء بطقس قديم يحمل اسم "بيلماون" أو "بوجلود"، حيث يرتدون جلود الماعز أو الأغنام ويطوفون الأزقة والشوارع بالجنوب المغربي، بغية إثارة المارة واستدرار عطفهم. الاحتفاء بطقس "بوجلود" غالبا ما يرتبط بالأجواء المرافقة لعيد الأضحى، حيث يرتدي الشباب جلود الماعز أو الأغنام، لإخفاء معالم شخصيتهم، موظفين نبرات مختلفة للصوت، وجلد الرأس والقرون لتغطية الوجه، وتقريب أوجه الشبه بينهم والحيوانات التي تستعمل كأضحية العيد. وظاهرة "بوجلود" معروفة أكثر بضواحي مدن تيزنيت والدشيرة وإنزكان ، حيث عمل شبابها على إدخال جملة من التحسينات على الظاهرة، بشكل أخرجها عن البساطة التي كانت معروفة بها في السابق، بحسب جامع بندير، الباحث في الثقافة والتراث المغربي. من جهته، قال أحمد صابر، العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة "ابن زهر" بمدينة أغادير، للأناضول إن "مدينة إنزكان تمكنت من إحياء تراث ثمين والمحافظة عليه من الاندثار، بالنظر إلى أصوله العريقة والوثائق التاريخية المتواجدة في العديد من البلدان الإفريقية". أما أحمد أوبلوش، الباحث في التراث المغربي، فقال للأناضول إن "ظاهرة بوجلود يمكن اعتبارها مظهرا من مظاهر رفض الواقع السياسي المعيش، حيث تتم السخرية من جميع الشخصيات والمؤسسات والأحداث السياسية كشكل من أشكال رفض هذا الواقع، في تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وأضاف أن "طقس بيلماون يعبر بمثابة طقس اجتماعي يتم من خلاله إعادة تمتين علاقات التضامن والتآزر الاجتماعي، بين فئات المجتمع المختلفة". وأشار إلى أن تلك الظاهرة تعتبر علاجا وقائيا لبعض الأمراض الاجتماعية، التي يتم بواسطتها فضح ممارسات من قبيل التحرش الجنسي، والخيانة الزوجية، والمثلية الجنسية، والسرقة وغيرها (عن طريق مشاهد تمثيلية في الشوارع ينتقد فيها لابسو الجلود تلك الظواهر). أما بعض القبائل الأمازيغية بالمنطقة، فتعتبر ذلك الطقس "لحظة للمصالحة مع الذات والجماعة وعملية تنفيس عن كل الطابوهات والخطايا الاجتماعية"، بحسب أوبلوش. وقال إن "القراءات المفسرة لطقوس بوجلود، تختلف بين القراءة الأنثروبيولوجية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية لطقس مملوء بالايحاءات وبالتكثيف الرمزي وبمدلولات سوسيولوجية وسيكولوجية وإثنوغرافية ضاربة في أعماق التاريخ، وتعد أصول تلك الظاهرة ضاربة في القدم، وتمارس في منطقة شمال إفريقيا، قبل دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي". وأضاف أنه "يمكن اعتبار ذلك الطقس، من طقوس العبور من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، أو انشدادا عابرا للزمن لجذرنا الطبيعي، وانسلاخا من مظاهرالحداثة والانخداع بمجتمعات العنف والاستهلاك" وبخصوص تفسيره لبعض الطقوس المرافقة للظاهرة، من قبل طقس الدم والقربان، قال أوبلوس إن "الطقس المذكور يشير إلى أضحية العيد، فيما يعني لباس جلد الخروف القربان المقدم للتطهير عن دنس الحياة المادية والسفر عبر تاريخ البشرية الموشوم بالصراع بين قوى الخير والشر". وفي الوقت الذي قد يعتبر البعض طقس "بوجلود" مظهرا من مظاهر التعبد وتقديس الحيوانات، أو الخوف من قوى خارقة قد تتخفى في جلد وقرون الماعز، اعتبر الباحث أوبلوش أن "حضور الطقس الديني في أذهان البعض، من قبيل حضور قربان المعز في الكثير من الطقوس الدينية، وخاصة في الاضرحة والمزارات، وفي الطقوس غير الدينية مثل الشعوذة، وحضرة كناوة، وطقوس جلب المطر والخصوبة والأولاد". يذكر أن المدن المجاورة لمحافظة أغادير بالجنوب الغربي للمغرب تحتضن كل سنة فعاليات كرنفال "بيلماون بودماون" الأمازيغي (الجلود والأقنعة) التراثي، ويقام لمدة أسبوع بعد عيد الأضحى من كل سنة، وذلك وسط دعوات بحماية هذا التراث من الاندثار والعادات الدخيلة.