إنه جنون صور "السيلفي"، أو الإيبولا الثقافية التي تسري داخل مجتمعاتنا الإلكترونية، وهي ظاهرة بصيت عالمي، ولم تصل إلى سوء اختيارها لتكون كلمة لهذا العام، أو تعريفها بالمسلسل التلفزيوني "brilliant and terrible" أو حتى صورة الوجه المبتسم أمام معسكر " أوشفيتز" الذي احتجز فيه اليهود لدى النازيين في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، أو الصورة التي التقطتها امرأة مبتسمة ظهر في خلفيتها رجل يحاول الانتحار من على جسر بروكلين في مدينة نيويوركالأمريكية، أو الصور التي التقطت في معارض الفنون والتي حجبت أعمالاً فنية لرسامين عالميين مثل رمبرانت بوجوه مبتسمة للكاميرا. وعادت صور السيلفي بطابعها النرجسي لتلقي بضوئها على الإسلام، وبالأخص في موسم الحج، فحتى الكعبة التي تعد أقدس الأماكن لدى المسلمين. وأصبح موسم الحج 2014 العام المخصص لصور "السيلفي" التي انتشرت عبر انستغرام وتويتر وتمبلر وفيسبوك، لتثير الجدل لحجاج التقطوا صوراً لأنفسهم خلال تطبيقهم أحد الأركان الخمسة للإسلام بالتوجه للحج في مكة. "أجمل الأماكن على الإطلاق" هو التعليق الذي كتبه المستخدم " iam_pedr0" على حسابه على انستغرام أمام الكعبة، وأضاف المستخدم " @dan_a_lowe" صورة له ولعدد من أصدقائه الحجاج على تويتر مستخدماً وسوماً مثل " Epic #selfie #hajj #Mecca " المشابهة لتلك التي استخدمتها مقدمة البرامج إيلين ديجينيريس خلال تقديمها لحفل الأوسكار الماضي. ولكن صور السيلفي لا تعد من الأمور المحبذة لعدد من الحجاج، على الرغم من أن التصوير بالهواتف لم يعد محظوراً في الحرم، بل أن أحد الحجاج وصف الظاهرة ب "المرض المزمن الذي لا يمكن إيقاف تفشيه"، وقد بذل بعض الدعاة الإسلاميين ما بوسعهم من جهد لتذكير المسلمين بأن التقاط الصور أمام الكعبة فيها إهانة للرسول محمد، كما افتتح موقع "Arab News" حملة "Say no to Haj selfie!" أي "قل لا لصور السيلفي في الحج". وقال الداعية الإسلامي عاصم الحكيم إن "التقاط مقاطع الفيديو وصور السيلفي تتعارض مع توجيهات الرسول"، داعياً الله لحج خال من مظاهر التفاخر والتباهي، وذكر المستخدم " @yshirin" إخوانه المسلمين بأن الهدف من الحج يكمن في تجاوز التفكير بالذات، وأن صور السيلفي في الحج لن تجلب فائدة لأي أحد. أجل ففي عصرنا يعاد تعريف المواقع المقدسة مثل غيرها من الأماكن، ففي موسم الحج 2014 "عام السيلفي" يمثل ما يعتبره البعض دمقرطة للأماكن المقدسة، فالسلوك التقليدي السائد يركز على قدسية بعض الأماكن مثل الكعبة في الحرم المكي والقبة في القدس، أم في عصرنا الرقمي النرجسي، فإنه من الطبيعي أن يكون ما هو مألوف هو المقدس، وأن يعتبر طبيعياً بأن يشكل الشخص من ذاته مركزاً للكون، وهذا يشرح السبب في تفشي ظاهرة السيلفي وضرورة ظهور الأشخاص في مركز كل صورة يلتقطونها. وبهذا فإن كل شيء، أو بالأحرى كل ما يدور حولنا هو الذي يعتبر مقدساً، ليتغير مفهوم القداسة في العالم الرقمي الذي نعيشه كل يوم، لتثير النرجسية الجدل، وفي ثقافة السيلفي أصبحنا مركزاً يدور العالم حوله، لتتخذ مئات مليارات الصور، امتداداً من " أوشفيتز" ووصولاً إلى الكعبة، رمزاً شخصياً، وتحول ما هو مقدس إلى تنوع مختلف من الأشخاص والألوان والزوايا والنكهات. وهنا يقبع السؤال، هل يمكن أن تتسع دائرة صور السيلفي لأماكن مقدسة أخرى؟ للأسف فإن هذا حصل في الأصل، إذ سمح البابا فرانسيس بأول صورة سيلفي بابوية مع عدد من الأطفال في أغسطس/آب الماضي، نصحهم بعد الصورة ب "صنع مستقبل جميل بالطيبة والحق"، مضيفاً بنصحه إياهم "بالتحلي بالشجاعة والتقدم وإيصال أصواتهم." وهذا بالضبط ما حصل فإن "إيصال الأصوات" هو ما يحدث بالفعل في عصرنا الذي يعمل بالطاقة التكنولوجية التي تغذي نرجسيتنا الشخصية، امتداداً من مكة ووصولاً إلى روما، وما حاولت العقائد السماوية التقليدية تجاوزه بالتخلي عن الذات والتفكير بالآخرين، قد استبدل تماماً بصور السيلفي التي تركز على الذات أولاً.