راجت على مواقع التواصل ووسائل الإعلام صور يظهر فيها الملك محمد السادس وهو يتجول في شارع بورقيبة الشهير بالعاصمة تونس، على الأقدام، وذلك لدى زيارة العمل التي قام بها بدعوة من الرئيس التونسي منصف المرزوقي. وظهر العاهل المغربي يسير منفردا في شارع الحبيب بورقيبة، والذي تلتقي فيه عدد من الشوارع الرئيسية، منها شارع جدّه محمد الخامس وشارع روما، وشارع الجزائر العاصمة، وشارع باريس، وشارع القاهرة. رمزية شارع بورقيبة والأمن المستتب في تونس ولشارع الحبيب بورقيبة، رمزية جدية في تونس، حيث أن معماره فريد ونادر، كما أنه شهد أكبر مظاهرة في الثورة التونسية، والتي كان لها الدور الأكبر في إطاحة زين العابدين بن علي بعد أن هدد المتظاهرون بالتوجه إلى القصر الرئاسي، في 14 يناير/كانون الثاني 2011. وبدا الملك محمد السادس في الصورة، التي بادرت إلى نشرها، وهو يسير بين الناس في شارع بورقيبة، دون حراسة أمنية مشددة، حيث كان يحيط به سريا عدد قليل من حراسه بلباس خفيف غير بعيد عنه. ووفقا لملاحظين تونسيين فإنّ جولة الملك المغربي على الأقدام-وهو الذي دأب على القيام بذلك في بلده وفي الكثير من الدول التي يزورها- كانت رسالة على أن الأمن مستقر في تونس. وقال حافظ الحمداني، وهو صحفي مستقل، لقد "دأب رئيس الحكومة مهدي جمعة خلال زيارات الزعماء لتونس في الآونة الأخيرة على اصطحابهم في جولات على الأقدام داخل العاصمة، لكنها المرة الأولى التي يقوم فيها زعيم بمثل هذه الجولة من دون أمن تونسي وبمثل هذه البساطة. فالكثير من وسائل الإعلام الخليجية تحديدا، لا تعرف حقيقة الوضع في تونس أو أنها تنشر تقارير مغلوطة لأنها لا ترغب في نقل صورة بلد ديمقراطي يعاني من صعوبات اقتصادية ولكنه أمنيا مستقر عموما." بيان غاضب من الديوان الملكي المغربي وأسالت زيارة العاهل المغربي-التي شهدت توقيع 23 اتفاقية مع تونس ورافقه فيها نجله وشقيقه و11 وزيرا وعشرات رجال الأعمال- الكثير من الحبر، لاسيما مع نشر صحيفة تونسية خبرا، نفته الرئاسة التونسية والديوان الملكي المغربي، قالت فيه إنّ الزيارة شهدت تلاسنا بين الزعيمين على خلفية موقف الرئيس التونسي من قضية الصحراء. واعتبر الديوان الملكي المغربي أنّ التقرير "خسيس" ويتنافى مع عراقة العلاقات بين "بلدين شقيقين." وحسب مدير مركز دراسات التنمية والدفاع جنوب المتوسط، محمد الفضلي، فإن العاهل المغربي "تأخر في ردّ الدعوة التي وجهها له الرئيس التونسي الذي حرص على أن تكون المغرب-ووالده مدفون هناك- أول محطة خارجية له بعد اختياره رئيسا بثلاثة شهور وكان ذلك في فبراير/شباط 2012." وفعلا ورغم أن الملك المغربي أناب عنه شقيقه رشيد في مشاركة التونسيين الذكرى الأولى للثورة وكذلك في الاحتفال بكتابة الدستور، إلا أنه غاب عن مناسبات سارع إليها زعماء أفارقة وأوروبيون. انفتاح على تونس الثورية وأضاف الفضلي "طيلة عام 2011 لا تنسوا أن الملك المغربي كان أيضا منشغلا بمشاكل بلاده الداخلية مع احتجاجات حركة 20 فبراير، وهو ما دفعه إلى اعتماد سياسة الانفتاح وسهّل إدخال إصلاحات من ضمنها دستور جديد رحبت به أوساط من المعارضة." لكنّ الدستور المغربي، ترك مكانه في مرتبة أفضل الدساتير للدستور التونسي الجديد الذي يضمّ فصولا "ثورية" مقارنة ببقية دول المنطقة. وحسب الملك المغربي كلمته وهو يشيد بالدستور التونسي، خلال كلمة أمام المجلس التأسيسي، معتبرا إياه "متقدما" واصفا تونس "بالجديدة" فيما بدا نأيا بنفسه عن كلمة الثورة. كما شهدت المملكة المغربية انتخابات مبكرة فاز بها الإسلاميون، وذلك في هدوء ودون ضجيج، مما حدا بالمعلقين المغاربة إلى اعتبار ما حدث ثورة هادئة "أكثر ملائمة" للشعوب من الثورة التونسية "الصاخبة" حسب الصحفي حافظ الحمداني. انتقادات تونسية للملك المغربي لكن المثال المغربي، لا يلقى قبولا لدى أوساط من المعارضة التونسية ولاسيما الأكثر راديكالية والتي ساهمت أكثر من غيرها في إطاحة زين العابدين بن علي. ورفض زعيم الجبهة الشعبية، المناضل اليساري المعروف حمة الهمامي، تلبية دعوة رئاسة الجمهورية التونسية للمشاركة في حفل عشاء أقيم على شرف الملك المغربي "تنديدا باستمرار حملات اعتقال الصحفيين والطلبة والمهمشين" وفقا لما نشره موقع الجبهة الشعبية. كما نددت عدة منظمات تونسية من ضمنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان "بتكرار محاكمات ضد مناضلي وناشطي حقوق الإنسان في المغرب وتردي وضع الحريات" وذلك في بيان نشرته على صفحتها الرسمية. ونقلت صحيفة لوموند الفرنسية عن عضو حركة 20 فبراير المغربية، عمر الراضي، قوله "إنها المرة الأولى التي يتعرض فيها زعيم عربي لحملة انتقاد في بلد آخر ." غير أنّ الفضلي يقول إنّ "الأمر عادي ولا ينبغي أن يحجب المنافع المتبادلة من الزيارة بغض الطرف عن الاتفاقيات الثنائية. فالعاهل المغربي ظهر في صورة المحب لتونس والزعيم الذي يمكنه أن يجمع ولا يفرّق فيما خرجت تونس من عزلتها المفروضة عليها من قبل العرب وأعطت صورة البلد الذي لا يريد تصدير ثورته . أما الانتقادات الموجهة للملك المغربي فلا تقارن بحجم الانتقادات التي توجه يوميا للرئيس التونسي نفسه ولا تقارن بأي صورة من الصور بالانتقادات اليومية التي توجه لغالبية الزعماء العرب في بلد يعيش فورة في حرية التعبير وضمانات لحرية التعبير في دستوره." لكن كل ذلك، لا يبدو أنه أثّر في الزيارة بل إنه وفقا لما نشرته صحف تونسية ومغربية فإن العاهل المغربي قرّر تمديد زيارته التي كان يفترض أن تستمر ثلاثة أيام، وهو ما حدا بمعلقين على مواقع التواصل إلى تحدي الرؤساء الثلاثة في تونس – الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة المؤقت ورئيس البرلمان- إلى أن يحذو حذو محمد السادس ويتجولوا في العاصمة دون حراسة أمنية مشددة.