عرف المغرب العديد من الإستشارات الوطنية حول إعداد مجموعة من القوانين ذات الطابع التشاركي و التي تسعى إلى إشراك جميع الفاعلين في بلورة مقترحات مشاريع قوانين كان أهمها الإستشارة الوطنية حول مدونة الأسرة و الإستشارة الوطنية حول إعداد التراب الوطني و الإستشارة الوطنية الأخير حول الجهوية المتقدمة في إطار الإنفتاح على الفاعل المدني في رسم معالم قانون يستجيب لمتطلبات المجتمع ، وهي كلها إستشارات عرفت نوع من النكوص و التحنيط و التعثر في بعدها القانوني المفروغ من المحتوى بسبب التركيز على النص القانوني أكثر منها على فلسفة و روح النص. كل هذا يتجسد معياريا في ما عرفته الإستشارة الوطنية حول الجهوية المتقدمة بإعتبارها شكلا من أشكال الحكم و التدبير المحلي في إطار جهوية يتوافق من أجلها بين جميع الفاعلين مما يجعل من الجهة وعاءا شكليا قادرا على إستيعاب كل تطلعات المواطنين بإختلاف مواقعهم الإجتماعية والإبتعاد عن الطرق التدبيرية ذات الرؤية الضيقة المتمثلة في أشكال التقطيع الترابي و المهام الجامدة للمجالس المنتخبة التي أفرغها المشرع المغربي من إمكانياتها التدبيرية و المالية و وضعها على الهامش لصالح السلطة المركزية المتمثلة في الولات و العمال الذين يتحكمون في كل صغيرة و كبيرة داخل الجهة مع العلم أنهم معفين من أي محاسبة مالية أو إدارية رغم أنهم هم المحرك الحقيقي للسلطة داخل تراب الجماعات. إننا اليوم وفي خضم الحديث عن الجهوية المتقدمة كفلسفة و روح متشبعة بقيم الديمقراطية التشاركية لا يمكن السماح للقرار السياسي الذي يحكم سلطة إنتاج الثروة بمنطقة معينة حكرا على السلطة المركزية للدولة، بل يتوجب قلب المعادلة و لينطلق القرار من المحلي إلى الوطني في أفق تمكين الجهات و مجالسها المنتخبة من تملك سلطة تدبير و إتخاذ القرار المحلي. هذا ما أفرزه إعلان ورزازات يومي 15 و 16 مارس 2014 للإتلاف الوطني من اجل جهوية ديمقراطية الذي يجمع بين أطياف مدنية متنوعة من حيث الجغرافية و مجالات الإشتعال في إطار تجديد التعاقد بين المكونات المدنية بما يسمح بتجاوز مصادرة حق الجمعيات في بلورة وتنفيد وتتبع وتقييم السياسات العمومية المحلية والجهوية والوطنية بما يجعلها قادرة على فرز النخب المحلية والجهوية المؤهلة، و قد تضمن الإعلان النقط التالية : 1. حق المجتمع المدني في المشاركة في اعداد تصور واضح حول جهوية ديمقراطية خارج آليات التحكم والتكتم الحكومي، 2. التأكيد على ان لا جهوية حقيقية بدون تصور اقتصادي واضح يجعلها رافعة للتنمية بما يقطع مع كل آليات الوصاية التي تحجم من دورها كمؤسسة منتخبة، 3. التأكيد على ان لا جهوية عادلة في غياب تصور شامل لتدبير مستدام للموارد الطبيعية والثروات البيئية يكرس المسؤولية الاجتماعية وحقوق الجماعات والساكنة في الاستفادة من الخيرات ، 4. ضرورة العمل على اعداد مخططات اقتصادية واجتماعية نابعة من ارادة الساكنة ، وضامنة لشروط الانصاف الاقتصادي والتمكين الاجتماعي من اجل عدالة اجتماعية حقيقية، 5. بناء جهوية قادرة على تحويل الخيرات الطبيعية البيئية والبشرية الى ثروات اقتصادية حاملة لقيم التمكين، الاندماج والاستدامة، 6. سن ومراجعة القوانين المتعلقة بالوعاء العقاري والملك الغابوي ،المنجمي والمائي بما يلائمها مع المواثيق الدولية ذات الصلة وبما يحقق المساواة والعدالة الاجتماعية ومصالح الساكنة والمصالحة مع البيئة، 7. تقوية الجهة كمؤسسة حاملة لمشاريع اجتماعية و اقتصادية قادرة عل خلق الثروة من خلال الشركات العمومية و المختلطة، 8. اعتبار الجهة كمجال مندمج حامل للقيم الثقافية والموروثات الاجتماعية والمؤهلات الطبيعية والبشرية التي يجب تثمينها وليست تقطيعا اداريا صرفا ، 9. مراجعة القوانين المرتبطة بالمالية العامة والقوانين الجبائية المركزية وبناء نظام جبائي وقوانين مالية مستجيبة لحكامة مالية و جبائية ترتكز على النوع ،المشاركة والحق في التنمية. 10. مطالبتنا بتنزيل وتأويل ديمقراطي لكل التعاقدات الدستورية بخصوص الجهوية والديمقراطية التشاركية بما فيها تفعيل قانون الجهوية، وكذا المقتضيات المدسترة لأدوار جمعيات ومنظمات المجتمع المدني و مؤسسات الحكامة.