المخازنية جهاز ضارب في جذور التاريخ المغربي الأطراف ،وربط الإتصال بين القايد وبين الرعية وإعانة دار الحسبة في جمع الضرائب ،وهي بهذا مؤسسة عريقة وكثيفة تاريخيا،وقد كان المخازني مسلحا وقلما يفترق عن صهوة جواده،و في مرحلة الحماية كانت تنقسم الى قسمين الاول كان تابعا لقيادة مدنية كان يزاول مهامه بالادارة الترابية، ويأخذ راتبه من الميزانية الشريفية، والقسم الثاني كان تابعا مباشرة لوزارة الحرب وكان قوة شبه عسكرية وله قيادة عسكرية ,وهاتان التشكيلتان كانتا تابعتين لإدارة الشؤون السياسية بالادارة الداخلية والتي نظمتها الدورية الوزارية عدد 9/2010 بتاريخ 18 ابريل 1939 , الوجود المطاطي للقوات المساعدة لقد إستمر دور المخازنية إلى العصر الحديث وأصبحت تحمل إسم القوات المساعدة، وهي جهاز تابع لوزارة الداخلية ذات أدوار وإختصاصات متشعبة ومطاطية،فهي مكلفة بالحفاظ على الأمن العام والسكينة العامة ،ويمكن أن تظطلع بدور الحفاظ على الصحة العامة ،تقوم بحراسة المنشئات المائية داخل المدن وبحراسة السدود والأحزمة الحدودية تحرس العمالات والقصور والعديد من المؤسسات العامة ،تعمل على محاربة الهجرة السرية والتهريب،قوات شبه عسكرية مطاطية بكل معنى الكلمة ،فقد تجد أفراد القوات المساعدة يعملون إلى جانب الشرطة ،وقد تجدهم مع الدرك أو مع الجمارك بل وحتى إلى جانب قواتنا المسلحة،تجدهم في الملاعب الرياضية وفي الأسواق وأين ما أطلقت نظرك أو حللت وإرتحلت ستجد أمامك القوات المساعدة ،حتى في الحرائق والكوارث الطبيعية بل حتى في الأعراس والإحتفالات فأين ما كان هناك تجمع بشري تجد هناك القوات المساعدة ،وكأن لها وجود ميتافيزيقي توجد في نفس الوقت في كل الأماكن،لكن في السنين الأخيرة أصبح دورها الأساسي هو تفريق الإحتجاجات والمظاهرات،يرجح البعض أن عددها يصل إلى حوالي 47 ألف عنصر،لكن البعض يشكك في هذا الرقم نظرا للتواجد الضخم لهذه القوات،وبعملية حسابية بسيطة فقد وصلت عدد الإحتجاجات هذه السنة إلى حوالي 1500 إحتجاج شهريا بما معدله 125 مضاهرة وإحتجاج يوميا في كافة التراب الوطني وفي كل هذه التجمعات الإحتجاجية يستحيل أن لا تجد هذه القوات مرابطة بكامل عدتها وعديدها في ساحة الوغى ،هذا وبالتوازي مع هذا التواجد الكثيف ,هناك قوات كافية منتشرة طولا وعرضا في جميع سدود وأسواق المملكة والمؤسسات العامة وغيرها مما يجعل رقم 47 ألف عنصر شيئا ما لا ينسجم مع المنطق،يمكن إعتبارها قوات شبه عسكرية لكن تختلف تماما عن قوات الدفاع الذاتي لدى بعض الدول كالجزائر مثلا،لأن القوات المساعدة ورغم أنها قوات شبه عسكرية إلا أنها غير مسلحة . المخازنية و طبيعة السلاح المتوفر لديهم فتسليحها يقتصر على بنادق بسيطة وهراوات ذات اليد الجانبي التي تمكنها من القيام بالثمانية الصغيرة والثمانية الكبيرة وهي من اختراع ياباني وتأتي في المرتبة السادسة للأسلحة البيضاء الشديدة الأذى وتسمىB.P.L ويقتصر التسليح كذلك على مسدسات إيطالية من نوع "بيريطا"وهي مسدسات جد عادية،أما من حيث العربات فنلاحظ أنها تعتمد بشكل كلي على سيارات كبيرة من نوع رونو لكن مؤخرا تم تزويد هذه القوات بعربات )بيك أب( من نوع) فورد ( كما حصلت هذه القوات مؤخرا على عربات من نوع) بير كاتس( من الشركة الأمريكية "لينكو"،وهي عربات مدرعة متخصصة في تفريق المظاهرات وتشتمل على عدة أنواع منها ،عربات لنقل الوحدات،عربات لنقل الأسلحة والذخيرة،عربات القيادة والاتصال،عربات لتفريق الحشود ثم عربات لإزالة الحوجز وهي كلها مدرعة ومضادة للرصاص لكن يجهل هل تم تزويد المغرب بكامل التشكيلة أم لا ،ولازل البعض يراقب خروجها للشارع لجمع معطيات عن النوعيات المتوفرة . التحولات والتحديات الجديدة التي عرفها جهاز القوات المسلحة لقد تحول عمل هذا الجهاز في السنتين الأخيرتين بشكل جدري بحيث تحولت من قوات مساعدة الى قوات لمكافحة الشغب كمهمة أساسية لها خصوصا بالنسبة للفرقة الرابعة المتحركة والتي يمكن اعتبارها فيلقا متخصصا ومتفرغا بالكامل للاحتجاجات ومدرب ومجهز لهذا الغرض فقط وبشكل حصري , ومؤخرا أصبح التكوين يقدم حتى على مستوى حقوق الإنسان وذلك ليتم تفريق التجمعات الاحتجاجية بطريقة لا تضر بسمعة المغرب الحقوقية وقد تجد في بعض الأحيان أساتذة حقوق كبار يدرسون أو يقدمون دروسا لأفراد القوات المساعدة منهم على سبيل المثال الدكتور محمد بلحاج وغيره ,بل أن الحضور الدائم لأفراد القوات المساعدة في المظاهرات وسماعهم لحلقيات النقاش والكلمات والشعارات التي يلقيها المتظاهرين والنقاشات الحادة التي تفتح معهم جعلت هذه القوات تكتسب تكوينا معرفيا في الميدان عن الشؤون السياسية العامة للبلد وأصبحوا مثقفين عبر هذا الاحتكاك الدائم مع المحتجين الذين هم في الغالب ذو مستويات معرفية ممتازة 'فتجد افراد القوات المساعدة أكثر الماما بالجمعيات والأحزاب والتنسيقيات والحركات وغيرها .... إن طبيعة عمل هذا الجهاز تجعله في احتكاك مباشر مع المواطنين مما يجعل عنصر القوات المساعدة أو حتى القيادات تحت ضغط مزدوج،فهي يجب أن تفرق الاحتجاجات وتنفذ الأوامر وفي نفس الوقت يجب أن لا ترتكب أي خطأ أو تجاوز قد يجعلها تحت طائلة قرر تأديبي بل و حتى تحت طائلة الفصل 26 من المجموعة الجنائية،هذا الاحتكاك المباشر مع المواطنين جعل هذه القوات في كثير من الأحيان تنحرف عن صوابها وتسقط في الفساد،خصوصا في المراكز الحدودية التي تعتبر جنة لهذه العناصر وكذا في الأسواق و حتى الملاعب الرياضية، هذا الفساد لم يطل فقط الصغار بل أصبح مرادفا للجهات الوازنة في هذه القوات بحيث يروج الحديث هذه الأيام أن تحقيقات تجري على قدم وساق من طرف أجهزة أمنية نافذة في حق أفراد من رتب رفيعة داخل المفتشية العامة للقوات المساعدة المغربية وذكرت أسماء وازنة ،ومن المرجح أن التحقيقات تتعلق بالثروات الشخصية الهائلة وحول الخروقات التي شابت صفقات العتاد،وللإشارة فقد سبق أن ذكرت أسماء أخرى وازنة على مواقع اليكترونية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تهتم بفضح الفساد ،مما حتم على جهات للتحرك وفتح تحقيق، تحقيق لم يأتي منفردا بل في إطار الإستراتيجية الجديدة للاستخبارات،حيث سيشرع في مراقبة كل الثروات المشبوهة لكافة كوادر أجهزة الأمن القومي المغربي،بعد أن أصبح الفساد مرتبطا بشدة ببعض الكوادر في عدة أسلاك،لقد أصبح ملف الفساد في هذا القطاع أمرا مقلقا للأمن القومي المغربي مما حتم على المعنيين التحرك لتصحيح الأوضاع. هل يمكن اعتبار المخازنية تعويضا عن نظام التجنيد الإجباري؟. إن السؤال الأساسي الذي يمكن طرحه على المستوى الماكروشمولي للأمن القومي المغربي هو هل يمكن آن تكون هذه القوات تعويضا عسكريا للمغرب عن غياب نظام التجنيد الإجباري في حالة نشوب حرب وبشكل أكثر وضوحا نتساءل إذا كانت الجزائر تعد قوات الدفاع الذاتي للمشاركة في الحروب والدفاع عن البلاد كقوات تكميلية للجيش في القواعد الخلفية وداخل تجمعات المواطنيين , فهل يا ترى يمكننا نحن كذلك الزج بهذه القوات في الحرب إلى جانب القوات المسلحة الملكية أم أن دورها يقتصر على الحراسة فقط ومكافحة الشغب ? إن هناك اعتقاد جازم واستنادا إلى معطيات ملموسة أن القوات المساعدة بشكلها الحالي لا يمكنها المشاركة في حرب سواء دفاعية أو هجومية وان الزج بها في الحرب أو اعتبارها قوات قواعد خلفية أو دفاع ذاتي هو مخاطرة كبيرة ,أولا نظرا لطبيعة تكوينها الذي تتلقاه ونظرا كذلك للتسليح البسيط لهذه القوات والذي لا يرتقي لدرجة أسلحة الحرب ويبقى مجرد سلاح شخصي .وقد يجادل البعض ويقول انه في حالة الطوارئ سيقدم لهم تدريب مكثف وتسليحهم والزج بهم في المعارك لكن الإشكالية الأساسية ليست في التسليح بل الإشكال الأساسي هو في العقيدة الأمنية لوزارة الداخلية التي تتبع إليها هذه القوات ,فكما يبدو من خلال الواقع الملموس ومن خلال شبكة كثيفة من المعطيات الميدانية أن العقيدة الأمنية لوزارة الداخلية المغربية تتعارض بالكامل مع العقيدة العسكرية المغربية ومع ركائز الأمن القومي للأمة المغربية باعتبارنا ايالة شريفية كثيفة تاريخيا ,بحيت أصبحت العقيدة الأمنية لوزارة الداخلية عقيدة للتدمير الذاتي للدولة المغربية من الداخل بشكل بطيء ومن حيث لا تدري ,عقيدة جعلت الإحساس بالتفرد والميز يتعاضم بين مناطق المغرب, فالصحراوي يحس بتفرده والريفي يقول عن نفسه انه شعب الريف والامازيغي ينادي بما ينادي كلها إشارات تحملنا ببطء نحو الهاوية ونحو ترسيخ الدولة الفاشلة 'على العكس تماما من العقيدة العسكرية للجيش المغربي التي ترتكز على توحيد الوطن ,لا يمكن الاعتماد على هذه القوات في الحرب ولا على غيرها من وزارة الداخلية لأنه يستحيل عملاتيا ان تضع فردا من وزارة الداخلية كرفيق سلاح في الحرب جنبا إلى جنب مع جندي من الجيش وذلك لان العقيدة التي رسخها إدريس البصري في الوزارة ترتكز على العداء الشديد لأرامل الشهداء وعوائل المحاربين, وكما نعلم هناك ارتباط عاطفي وثيق بين الجنود وبين أرامل رفاقهم في السلاح ,مما خلق تنافرا نفسيا صامتا على عدة مجسات,وما تعرض له افراد من هذه القوات على يد الصحراويين في احداث اكديم ازيك خير مثال على ما يقال في هذا الصدد ,وهنا نشير ان العقيدة الامنية للوزارة قبل نهاية الثمانينات ليست هي العقيدة الموجودة حاليا فهناك تراجعات كارثية ,فجزء كبير من الاحتجاجات الاجتماعية لعوائل الجيش الان سببها اختلالات وقعت في مكاتب وزارة الداخلية بعد سنة 1987 إلى الآن وأدت قواتنا المسلحة ثمنا غاليا على ذلك, وأدى المغرب الثمن كذلك من سمعته أمام الأخر. الأدوار التاريخية و الإستراتيجية التي أداها المخازنية . لكن هذا لا يعني اننا نسينا الخدمات الجليلة التي قدمها أفراد القوات المساعدة للوحدة الترابية ومساهمتهم في حرب الصحراء بحيث قدمت القوات المساعدة الكثير من الشهداء والأسرى والمعطوبين في معارك الصحراء والكل لازال يتذكر ما قدمته هذه القوات في طانطان ,الزاك ,الفارسية ,بئر انزران وغيرها ,كما لن ننسى انها تفانت في الدفاع عن القيادة العليا ورئاسة أركان الحرب العامة وما قام به الكولونيل بوكرين التجاني سنة 1971 لازال راسخا في الاذهان ,كما لا ننسى دورها في زلزال اكادير سواء في الإنقاذ أو إزالة الأنقاض ,وبطولتها في الحدود سنة 1985 حين ضبط أفراد من القوات المساعدة أسلحة مهربة الى المغرب من الجزائر على يد المدعو حكيمي بلقاسم و القائها القبض على سفاح الاطفال الذي روع الكازاويين سنة 1978 المدعو مصطفى المتشوق وزميله المجرم الزينانى بوشعيب والقاء القبض على المدعو بولوحوش الذي كان مسلحا خطيرا في غابات الاطلس وساهم في القاء القبض عليه عنصر من القوات المساعدة و اللا ئحة جد طويلة. مخابرات القوات المساعدة و علاقتها بالجيش المغربي قد يتساءل البعض هل تتوفر القوات المساعدة على مخابراتها الخاصة أم أنها تعتمد فقط على الاستعلامات العامة وجهاز مراقبة التراب الوطني ,يحكى أن هناك جهاز مخابرات للقوات المساعدة وهو تابع نظريا لوزارة الداخلية ، و تحت إمرة القوات المساعدة لكن يسيطر عليه الجيش ،كان في السابق يعمل تحت إمرة الجنرال كوريمة ، له مهام ثلاثية الأبعاد داخل المدن والقرى والمراكز الحدودية,لكن بعد مجيء الجنرالحميدو إلى القوات المساعدة قبل سنوات خلط من جديد كل الأوراق ولم نعد نعلم عن هذا الجهاز أي شيء,ولازالت الأمور غامضة حتى بعد تعرض الجنرال حميدو لعنيكري لحادثة السير وإحالته على التقاعد, لكن من خلال بعض المؤشرات هنا وهناك يبدو أن الجهاز لازال يعمل وقد تم رصد أن الاحتجاجات التي تكون في الشارع العام وتكون مرتبطة بالجيش يغطيها أفراد ,رثوا الثياب وذووا مظهر بئيس مكلفين بحساب عدد المتظاهرين وتدوين محتوى اللافتات وقد لوحظوا وهم يسيرون ذهابا و إيابا من والى سيارات للقوات المساعدة ولا يتعاملون مع الشرطة وربما يكونون من جهاز استخبارات تابع للقوات المساعدة انسجام المخازنية مع العقيدة العسكرية،و ظهور مشاكل في السنين الأخيرة. ما يلفت نظر المتتبعين هو أن القوات المساعدة كانت دائما منسجمة داخل العقيدة العسكرية العامة للدولة المغربية ومنضبطة إلى ابعد حد ,لكن في السنين الأخيرة ظهرت مشاكل عديدة مرتبطة كلها بالجانب المعنوي والتعبوي العام للدولة ,فقد سبق لاحد افراد القوات المساعدة قتل اثنان من أكثر ضباط الجهاز كفاءة وهما الكوموندو عبد الواحد فوال والقائد الإقليمي محمد أمين ,وكذا ظهور صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث باسم هذه الشريحة وتتحدث عن معاناتها وهذا مخالف تماما للانضباط الواجب توفره لدى هذه القوات,فأين يتواجد الخلل بالضبط؟ كان من الممكن الحديث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لكن بعد مجيئ الجنرال حميدو لعنيكري لهذه القوات وتصحيح العديد من الأمور داخل هذا الجهاز والتحسين الملموس لرواتبهم والتي أصبحت محترمة بالمقارنة مع الوضع العام في الوطن وحجم الميزانية العامة للدولة وتسهيل حصولهم على المساكن وحصولهم على خدمات اجتماعية عديدة أصبح معها من الصعب على أي متتبع أن يلصق المشاكل داخل الجهاز للمعطى الاقتصادي رغم أن له بعض الدور لان الدولة كانت ذكية حين أرفقت الزيادات في الأجور بعد 20 فبراير بزيادات في الأسعار وفق نظرية الاقتصاد السياسي المعروفة بلعبة المغفلين بحيث تضل سلة المشتريات على حالها والقدرة الشرائية على حالها ,ان البعض يعتقد ان السبب في هذه الاختلالات راجع بالاساس لالحاق هذا الجهاز بوزارة الداخلية التي تتعمل وفق منطق الوظيفة العمومية في حين هناك وظائف يجب ان يشتغل عليها باعتبارها خدمة وطنية تتطلب التفاني وليس العمل لساعات يوميا من اجل راتب شهري و اصبح الخلل واضح مصدره ليس فقط في القوات المساعدة وحدها بل في كافة اجهزة الامن القومي المغربي وهو غياب وعدم توفر المغرب على هيئة عسكرية عليا للتوجيه المعنوي فالتكوين لا يجب أن ينصب على التداريب الروتينية والتدرب على حمل السلاح بل يجب أن ترفق ببرامج للتعبئة العامة وللشحن المعنوي كما هو الحال لدى العديد من الدول لان الجانب الفردي والمعنوي هو المحدد في النهاية ,والأعين كلها ألان متجهة صوب المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي من اجل ضبط هذه الاختلالات لان التحدي الكبير الذي سيواجهه المجلس في السنوات القادمة سيكون بالدرجة الأولى على المستوى المعنوي والغير الملموس .