تستطيع الجزائر أن تشتري ما تريد بخزائنها الممتلئة وبآبارها النفطية التي تسيل لعاب شركات النفط العالمية, كما تستطيع أن تخترق المنظمات الدولية غير الحكومية التي تبيع مواقفها مقابل المال, لكنها لن تنجح أبدا في شراء الديموقراطية, الغائب الأكبر عن المشهد الجزائري. فالجزائر التي تطلب فرض رقابة على أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء, لم يتسع صدرها لملاحظات الاتحاد الأوروبي الذي طالبها بتمكين الأحزاب السياسية من الاطلاع على السجل الانتخابي لرئاسيات العام المقبل. واعتبر وزير الداخلية الجزائري الطيب بلعيز مجرد جعل السجل الانتخابي مفتوحا أمام الأحزاب تدخلا في سيادة الجزائر. ما جعل الاتحاد الأوروبي يتحاشى دعوة جزائرية بتغطية الانتخابات المقبلة برداء حقوقي أوروبي. مثل بوتفليقة, صرف العقيد معمر القذافي بسخاء على جبهة البوليساريو وعلى زعزعة استقرار المغرب, ولجأ لشراء الذمم في إفريقيا, حتى أنه نال لقب ملك ملوك إفريقيا, لكنه لم يستطع شراء قلوب الليبيين, وانتهى إلى مصير لم يكن يتوقعه حتى ألذ أعدائه. لذلك, فالرهان الجزائري على المال لزعزعة استقرار المغرب وزرع بذور الفتنة في أقاليمه الجنوبية لعبة محكوم عليها بالفشل. فلن يصرف بوتفليقة حجم ما صرفه صديقه القذافي لشراء صمت الغرب قبل أن يرتد عليه نفس الغرب ويلاحقه في صحاري ليبيا حيث انتهى طريدا ثم قتيلا. ولو استطاع الشعب الجزائري أن يتبين لعبة الأرقام لأصيب بالذهول. فالجزائر تصرف على البوليساريو أكثر مما تنفق على مواطنيها. وحسب الأرقام المتداولة جزائريا, فقد أنفق النظام أكثر من 300 مليار دولار على البوليساريو, في وقت يموت فيه شباب الجزائر في المحيطات طلبا للقمة العيش في أوروبا. وثلاثمائة مليار دولار رقم يصيب بالدوار وهو بحجم ميزانية عشرات الدول, حيث يمثل ثلاثين مرة ميزانية بلد مثل المغرب. ولو تأتى للجزائر إنفاق ذلك المبلغ الهائل على البنيات التحتية لتحولت جنة فوق الأرض, ولكان أبناؤها يديرون المصانع بدل الدوران في دائرة العطالة والفقر التي حولت بعضهم لغذاء للحيتان الكبيرة في مياه البحر الأبيض المتوسط. لذلك حين يدعي قادة الجزائر أن لا علاقة لهم بملف الصحراء, فلا أحد يصدقهم بدليل الأموال المهدورة,والتي قفزت إلى مستويات قياسية خلال العشرية الماضية التي تولى فيها عبد العزيز بوتفليقة الحكم. ولأن أموال الشعب الجزائري لا رقابة عليها, سوى من جنرالات الجيش المتنفذين والذين يحكمون من وراء ستار. فلا قيمة للملايين ولا حتى للملايير إذا صرفت للتضييق على المغرب وبلقنة خارطته الترابية, فأموال الشركة الحلوب في الجزائر, عملاق النفط "سوناطراك" توجد لهذا الغرض. والشركة لا تؤمن فقط 98% من عائدات الجزائر من العملة الصعبة والتي يمكن أن تصل خلال العام الواحد لنحو 72 مليار دولار كما حدث في 2011, ولكنها تغطي عن نشاطات مريبة يتداخل فيها المال مع التجسس واللوبينغ. وحتى حين كشفت التحقيقات الإيطالية عن وجود شبكة دولية للفساد عصفت بما قيمته 30 مليار دولار في شكل تحويلات مشبوهة خارج الجزائر, كتمت أنفاس الضجة داخليا, ولم يرى الجزائريون لا شكيب خليل وزير النفط اللاجئ في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس يمثلون أمام القضاء كمتهمين بتبديد أموال عامة, رغم أن مستشارا سابقا في الشركة اسمه حسين المالطي وجه رسالة للنائب العام الجزائري يتهم فيها رئيس الاستخبارات القوي توفيق مدين والرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتورط في "حرب عصابات سياسية".فيما قال عن سعيد بوتفليقة إنه "أحد مسؤولي عصابة المافيا الجزائرية". لكن شكيب خليل تحميه أمريكا, فيما شقيق بوتفليقة يرتب في هدوء للرئاسيات المقبلة, أما بوتفليقة الرئيس شافاه الله, فلا يعرف إن كان عالما بما يحيط به. لكن حجم الفساد المستشري في "سوناطراك" لا يشكل في الحقيقة سوى غطاء يغذي أخطبوط الفساد خارج الجزائر, وهو نفس الأخطبوط الذي يمول جماعات الضغط والمنظمات غير الحكومية لنسف جهود المغرب في الوصول لتسوية سياسية تنهي نزاع الصحراء. معركة الأموال يتعذر على المغرب كسبها, فهو لا يملك آبار نفط ولا حقول غاز, لكنه يملك سلاحا أقوى هو الديموقراطية. وبإمكانه أن يواجه به الجزائر وأنابيبها الموصولة على امتداد شساعة حقول النفط. وكما أذهل المغاربة العالم بتقليبهم صفحات الحسن الثاني المؤلمة وكشفهم عن قبور جماعية وعن رفاة المختفين في سنوات الرصاص, يمكنهم المضي في تعزيز لبنات الديموقراطية للتأسيس لثقافة حقوق الإنسان عبر ربوع البلد المختلفة. وقد تكون سياسة مصارحة الشعب التي اعتمدها الملك في خطاب المسيرة لبنة أساسية في البناء الديموقراطي تجعل المغاربة شركاء في الحل.