مساهمة منا على هامش الزيارة التاريخية للوفد التركي برئاسة السيد رئيس الحكومة "أردوغان". أقوم بكتابة هذا المقال الذي يركز على عنصرين: أولا: تركيا الذات: يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 76 مليون نسمة. ومنذ 2002 وضعت الساكنة الثقة في العدالة والتنمية الحزب الذي ما زال يقود البلاد إلى يومنا هذا. والذي حققت معه الدولة والمجتمع حضورا ديمقراطيا وتنمويا متميزا. والذي تجلى في الرفع من الدخل السنوي للفرد إلى عشرة آلاف دولار بعدما كان لايتعدى 3000 دولار منذ 2002. وبلغت نسبة النمو سنة 2011، 9 في المئة. وبذلك أصبحت تركيا تحتل الصف 16 عالميا. وبلغ الناتج الداخلي العام 800 مليار دولار. وتحول الاهتمام الأولوي من الفلاحة إلى الصناعة والخدمات. وكون الإنتاج الفني الذي عم بالعالم خاصة العربي فقد بدأت تركيا تستقبل حوالي 30 مليون نسمة.من السياح سنويا. مما يدر 30 مليارا دولار سنويا.على خزينة الدولة. وقد استطاعت تركيا أن تؤدي كل ديونها الخارجية لصندوق النقد الدولي. وقد بلغ رقم المعاملات التركية العربية 48 مليارا دولار. وبلغت استثمارات العرب بتركيا حوالي 14 مليارا دولار. وتتميز تركيا ذات المساحة المقدرة ب 783 562 كم مربع. بالتنوع الثقافي والحضاري. وتعيش انتقالا دستوريا وديمقراطيا يمكن الاقتداء به رغم تباين السياق. ويعتبر مشكل الأكراد معقدا بتركيا حيث يسجل التاريخ منذ الثمانينات مقتل حوالي 400 ألف مواطن ومواطنة. والذي يبلغ عدد ساكناتهم 15 مليون نسمة. لكن بالحوار والتوافق تم ايجاد حل متوافق عليم من قبل الطرفين وهذه نعمة كبيرة تتحققت بعد الصراع والقتال بين الأطراف المعنية. إن الدولة التركية اطمأنت على اختيارها الديمقراطي، والمؤشر على ذلك هو الموقف الصلب الذي اتخذه "أوردغان" من الاحتجاجات الأخيرة.حيث جرت العادة غالبا أن الرؤساء عندما تعيش بلدانهم اضطرابات يعودون فورا من أجل تدبير الأزمة .لكن الرجل بكل وثوقية علق على الاحتجاجات بما يلي: إن الذي أجج هذه الاضطرابات المعارضة. لأنها لم تقم بمظاهرات سلمية كما ينص على ذلك القانون، بل اعتمدوا العنف والخراب والدمار . متوعدا بالاستمرارية في الإصلاح مهما كانت العراقيل. ومما زاد الطين بلة أن بعضهم طلب برحيل رئيس الحكومة. وبالتالي تصبح الأقلية تطالب بانسحاب الأغلبة وهذا منطق مقلوب . ثانيا: المغرب/تركيا الهدف من الزيارة تقوية العلاقات الاقتصادية السياسية والدبلوماسية بين البلدين.ويبلغ التبادل التجاري حوالي مليار ونصف دولار بين الطرفين. وهذا ضئيل بالمقارنة إلى حجم العلاقات التاريخية بينهما. خاصة وأن الانفتاح على السوق الأفريقية أصبح من الاهتمامات المشتركة. وللمغرب دور مهم في هذا المجال نظرا لعلاقته المتميزة مع الأشقاء الأفارقة. ومن الضروري تفعيل اتفاقية التبادل الحر الذي وقعت بين البلدين خلال سنة 2006. لقد تجاوزت واردات المغرب من تركيا مليارين من الدراهم.سنة 2013. في حين أن صادرات المغرب إلى تركيا لم تصل إلى 800 مليون درهم. إذن كيف نحدث التوازن التجاري بين البلدين؟ إن السوق التجاري التركي متنوع مما يحرج المغرب على مستوى المنافسة المتوازنة. مما يتطلب مجهودا مكثفا بين البلدين رسميا وغير ذلك من أجل تطوير العلاقة التجارية بين الطرفين بناء على مضامين الاتفاق الحر الموقع من قبل الأطراف. إن الشركات التركية التي تجاوزت 70 مؤسسة بالمغرب تستثمر حوالي 250 مليون دولار ببلادنا وتوفر أكثر من 6000 منصب شغل بالنسبة لليد العاملة. إن ما يميز الأتراك البساطة والفاعلية والمردودية وتنوع المنتوج.لذلك أرى من الضروري أن تستثمر العلاقة بين البلدين من أجل وضع استراتجيات قابلة لمضاعفة ما أنجز إلى مستويات أعلى ،خاصة وأن الظروف ملائمة لذلك.وحضور رئيس الحكومة التركي بصحبة 300 شخصية تركية مؤشر على إرادة قوية للرفع من العلاقات التجارية والاقتصادية في مجالات متعددة: البناء والصناعة والنسيج والسياحة والفلاحة والآلات والسيارات والتجهيز والطاقة والبنيات التحتية ..مما يتطلب شراكات خصوصا مع الدول الإفريقية. إضافة إلى ما ذكرناه نستحضر البحث العلمي والتكنولوجي والصيد البحري والشباب والرياضة ..كل هذا يلقي علينا مسؤوليات كبيرة من حيث المنافسة المؤهلة لإحداث التوازن. وقد تم التأسيس لهذا الاختيار مع الوزير الأول السابق إدريس جطو 2005 من خلال الزيارات المتبادلة بين الطرفين. وتتويج هذا بالتوقيع على اتفاقية التبادل الحر. يناير 2006. واليوم في ظل الحكومة الحالية هناك سعي لتطوير هذه الاتفاقية. إن تطوير هذه العلاقة لايقتصر فحسب على الجانب الاقتصادي والتجاري بل يتحداه إلى البعد السياسي والدبلوماسي . خاصة وأن تركيا استطاعت أن تنجح في المرور من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى الوضعية العادية رغم التحديات الإقليمية والدولية. واليوم المغرب يدشن تنزيله المتدرج لمقتضيات الدستور الذي صادقت عليه الأغلبية المطلقة من المغاربة في الداخل والخارج. كما أن الأكراد أمنوا وضعهم الاستقلالي في إطار السيادة التركية. لأنه لا خير في الانقسام خاصة عندما يكون مفبركا. لذلك كان "أورغان" واضحا في رسالته تجاه قضية وحدتنا الترابية. فهو لا يعترف بجبهة البوليساريو لأنه في العمق اعتراف بجمهورية وهمية. ثم هو مستعد للوساطة بين المغرب والجزائر لأنه على وعي بان المشكل ليس بين المغرب وأبنائه ولكن عند الجزائر التي للأسف حشرت ذاتها في هذا المشكل لا من باب مساعدة الأبناء للرجوع إلى بلدهم في أفق مشروع الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة. بدل السعي إلى تشكيل دولة مزعومة والتي لن تكون أبدا نظرا للموقف الثابت للمغرب ملكا وحكومة وشعبا في هذا المجال. وأتمنى ألا يشوش على هذه الزيارة التاريخية للوفد التركي مهما كانت الأخطاء الرسمية تحت أي غطاء نفعي اقتصادي أو سياسي إيديولوجي ضيق لأنه في آخر المطاف هذا سيضر بالمغرب. إذن فلنترفع عن الذات من أجل بناء الكل لصالح الكل.