خلف الصدور الأخير لتقرير المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي حول "السياسة العمومية للرياضة" جدلا وتباينا في الآراء ففي الوقت الذي اعتبر بعض المهتمين أنه لا يرقى إلى مستوى التقارير الموضوعاتية التي دأب على نشرها المجلس لوجود ثغرات المنهجية ومعلوماتية، رأى البعض الآخر أنه على الأقل أتى ليملأ حالة الفراغ التي تعتري البحث العلمي في المجال الرياضي, هذه المقالة تطرح تساؤلا حول مدى تواجد سياسات عمومية خاصة بالمجال الرياضيبالمغرب. نقاش عمومي عقيم وذاتي وغالبا مسيس جرت العادة في المغرب، عشية نتيجة سلبية للمنتخب الوطني في كرة القدم، أو في مناسبات رياضية دولية على غرار الألعاب الأولمبية، تداول فوري لسلسلة من الانتقادات الحادة والساخرة والمستفزة ومرات المهينة حيال المسؤولين عن الشأن الرياضي بالمغرب. ومن بين الانتقادات الشائعة التداول، والتي ستستحوذ على فضاء النقاش العمومي هو غياب رؤية واضحة وسياسة عمومية محددة على المدى المتوسط والبعيد وأخيرا غياب مخطط تنموي بأهداف ومؤشرات واضحة مرتبطة بالإنجاز الرياضي. وعلىغرار العديد من الدول، فإن النتائج السلبية المحققة في التظاهرات الرياضية الدولية، تكون مصدر قلق وانزعاج وتدمر لدى الرأي العام. علما أن الأثر السلبي للهزيمة يكون بليغا وصعب التحمل لدرجة أن الانتقادات تحيد كليا عن جوهر المشكل مع قلة حتى لا نقول ندرة في التحاليل التقنية أي خطط اللعب المعتمدة في رقعة الملعب التي تفسر الأسباب الموضوعية المرتبطة بفاعلين مباشرين في الحدث الرياضي ( اللاعب والمدرب ونسق اللعب والخطط التقنيةوالانسجام والتهييء البدني والنفسي …) وهي معطيات ذات ارتباط مباشر لتبرير النتيجة الرياضية، ليتم فسح المجال لنقاش آخر بنبرة سياسية. علما أن الفراغ الذي يتم تسجيله في قلة التواصل وشح المعلومات المقدمة من قبل المؤسسات الرياضية المسؤولة، سيؤدي لامحالة إلى تأجيج الانتقاد وتوفير مجال خصب لتداول الإشاعات وبالتالي استغلال وتوظيف سياسوي لقضية كانت تبدو في الوهلة الأولى مجال لا يفقه فيه إلا المختصون رياضيا. إلا أنه يجب الإقرار أن تحليل السياسات العمومية ، وخاصة تلك المخصصة للرياضة، ليستبالمهمة الهينة، إذ تعترض الباحث العديد من الإشكالات المفاهيمية أولاها أنه مصطلح متعدد الأوجه، فالتعاريف المتداولةتوظف بشكل غير دقيق، مما يؤدي إلى حدوث ارتباك وتفسيرات مثيرة للجدل. ثانيهاً مرتبط بخصوصية الظاهرة الرياضية التي هي في الغالب لصيقة بالنتيجة المحققةويصعب السيطرة عليها أو التنبؤ بها. علما أنه معطى أساسي في تحليل وتقييم مدىنجاعة السياسات العمومية، على خلاف باقي المجالات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. السياسات العمومية في المجال الرياضي ؟ يعرف الباحث جون كلودثويننج السياسة العمومية بكونها "مشروع يجب أن يحقق بعض الآثار. فأي سياسة عامة تنبني على مشكلة يتعين حلها. وتشير هذه المشكلة ، المحددة مجتمعة ، إلى الاحتياجات التي يعبر عنها السكان المستهدفون وتطلق "سلسلة من الإجراءات التي تنطوي على إنتاج استجابة مؤسساتية إلى حد ما تنتج عن نشاط سلطة تتوفر على السلطة العامة والشرعية. الحكومية".من جانبنا نميل لاعتماد التعريف التالي الذي صاغته الباحثة لاري فالسياسات العمومية هي "سلسلة من الأنشطة أو القرارات أو التدابير ، متناسقة عن قصد على الأقل، والتي تتخذها بشكل أساسي الجهات الفاعلة في النظام السياسي الإداري لبلد ما، بهدف لحل مشكلة جماعية. تؤدي هذه القرارات إلى أفعال رسمية ، أو قسرية إلى حد ما ، بهدف تعديل سلوك الفئات المستهدفة ، والتي من المفترض أن تكون أصل المشكلة التي يتعين حلها." وقد أشار بعض الباحثين إلى العلاقة الترابطية بين انبثاق السياسات العمومية وتواجد مشكل عمومي ( حاجة استثنائية، حرمان، عدم الرضا…) الذي يشكل العنصر المحفز لتأخذه السلطات العمومية بعين الاعتبار وما يستتبعه ذلك من تعبئة الفاعلين الاجتماعيين"في الواقع، تشتمل السياسات العمومية للرياضة على سياسة عمومية محددة وذات ارتباط بمكونات النظام الرياضي ، بما في ذلك: *سياسة التربية البدنية والرياضة: التي تركز كل الاهتمام على دور الرياضة كمادة بيداغوجية لتلقين الناشئة في المؤسسات التعليمية ولغرس قيم الثقافة والمجتمع فيها. *سياسة دعم المنظمات الرياضية: تنطلق من قناعة بالدور الذي يمكن أن تلعبه الحركة الرياضية والأولمبية في خلق ديناميكية رياضية سواء تنافسية أو للترويح. *السياسة الصحية: تسلط الضوء على فوائد الرياضة للحفاظ على صحة المواطن ، *سياسة التواصل الرياضي: يتعلق الأمر بدمج الأنشطة الرياضية في مشروع شمولي يهدف إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين أو السياح من خلال اقتراح استضافة المسابقات الرياضية الدولية. *سياسة إنجاز البنية التحتية ذات المستوى العالي أو للترويج للأنشطة الرياضية وتعميمها ؛ *سياسة تشجيع الأنشطة البدنية والرياضية بهدف تأكيد حق كل مواطن في ممارسة الرياضة التي يختارونها ؛ *سياسة تكوينالأطر التقنية المتخصصةقصد الإشراف على مختلف مستويات ممارسة الرياضة نتائج رياضية هزيلة تسرع بإحداث إصلاحات هيكليةمن الضروري التذكير بأن الرياضة، كظاهرة مجتمعية ، تتطور وتتكيف وفقًا للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع. كما أن الأداء والإنجاز الرياضي على المستوى الدولي أصبح أكثر تعقيدًا ويستلزم استثمارًا كبيرًا ومهارات متطورة في المجالات التقنية والطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية ، وأخيرًا نمط للحكامة يجمع بين الكفاءات ويتميز بفعاليته ونجاعة أدائه. والمغرب،على غرار البلدان المتقدمة والنامية، له مصلحة خاصة في ضمان حضور قوي في الساحة الرياضية الدولية ، نظراً لآثاره المفيدة على صورة وتأثير وإشعاع الدولة على الصعيد الخارجي.إلا أن المشاركة الدولية لها سلبيات فهي سيف ذو حدين ، إذ نلاحظ في هذا الصدد أن الأزمات التي هزت الرياضة المغربية تجد جوهرها في الأداء الضعيف الذي تحقق على المستوى الدولي. وعلى سبيل الذكر لا الحصر: – 1979: هزيمة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام نظيره الجزائري أدت إلى حل المكتب الجامعي وتعيين لجنة إدارية. – 1990: الاستقالة الجماعية للمكتب المديري لجامعة كرة اليد بدعوى الافتقار للوسائل التي تتيح للمغرب تنظيم بطولة إفريقيا دفعت الإدارة المكلفة بالرياضة إلى تعيين لجنة مؤقتة ؛ -1992 إقصاءالمنتخب الوطني لكرة السلة خلال البطولة الأفريقية ،نظرا لعدم التمكنمن توفير اللباس الرياضي للفريق ، دفع الوزارة إلى تعليق الدعم السنوي المخصص لها ؛ -1993 ، قضية العداء المغربي الثاقي المشتبه في أنه سهل انتصار الجزائري مورسيلي في بطولة العالم لألعاب القوى في شتوتغارت ، عجلت بحل المكتب الجامعي وتعيين لجنة مؤقتة. -1994: الإقصاء ، الذي وصف بالمهين ، للمنتخب الوطني لكرة خلال كأس العالم بالولايات المتحدةالأمريكية لكرة القدم، أدى إلى حل المكتب وتعيين لجنة مؤقتة مسؤولة عن إدارة شؤونها. – 2008 : أقصاء المنتخب الوطني لكرة القدم ونتائج هزيلة بأولمبياد بيكين دفعت السلطات الوصية على تنظيم المناظرة الوطنية حول الرياضة. إن تحليلا تفصيليا لوضع الرياضة كعنصر مكون للسياسات العامة، يفرز صعوبة تحديد المعايير المحددة للرياضة في المغرب بالإضافة إلى التصور الاختزالي لدورها في عملية التنمية الشاملة وعدم وجود استراتيجية لتطوير النشاط الرياضي وتداخل المصالح في ظل غياب آليات التنسيق. كما تمت ملاحظة خلال العقد الأخير وفرة في الدراسات التحليلية والتشخيصية لواقع الرياضة يوازيه قلة وشح البرامج الإجرائية والعملية ذات الأثر الملموس على الساكنة.خصوصا وأنالطبيعة المتعددة الأوجه للرياضة ، التي تتجاوز دورها التنافسي، تدعونا إلى عدم اعتبارها قطاعًا محددًا ومستقلًا، ولكن على العكس من ذلك ،ضرورة استكشاف طرق أخرى تسمح للرياضة بالمساهمة في التحديات الإنمائية الجديدة: كالتماسك الاجتماعي والصحةوالتواصل والسياحة والتعليم …