في شهر نونبر من سنة 2011 صدر قرار عن محكمة جزر البليار يقر بشرعية مكتب جديد للفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية (الفيري) برئاسة منير بنجلون الأندلسي، المحسوب على جماعة العدل والإحسان المغربية، لكن وزارة العدل الإسبانية لم تعترف بالمكتب الجديد إلا في 24 من أبريل الماضي وقيدته في سجلها كممثل شرعي للفيدرالية بدل المكتب الذي انتخب في نفس الشهر والذي كان يسيره الثلاثي: محمد علي (رئيس)، محمد خرشيش (نائب الرئيس) وسعيد بورحيم (كاتب عام)، المقربين من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. المكتب الذي يسيره منير بنجلون انبثق عن جمع عام استثنائي بكل المقاييس حيث أن هذا الجمع العام التأم بدعوة من مجلس مسير للفيدرالية يرأسه منير بنجلون وطعن في شرعية الجمع العام العادي الذي كان قد عقده المكتب السابق تحت رئاسة محمد علي ومحمد خرشيش. دخل المكتبان في صراع قضائي انتهى بفوز جماعة بنجلون لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد وتوترت العلاقة بين الجانبين بعد رفض المكتب الذي يسيره الثلاثي محمد علي - خرشيش - بورحيم تسليم مقاليد الحكم للقيادة الجديدة رغم شرعيته القانونية. منير بنجلون اتلجأ مرة أخرى للقضاء لتثبيت شرعية رئاسته للفيري بعد رفض الثلاثي محمد علي - خرشيش - بورحيم تسليم مفاتيح مقر الفيدرالية وكل الوثائق المتعلقة بالتسيير المالي والإداري وكشوفات الحسابات المالية للمكتب الجديد للفيري. وبعد جلسات مارطونية لم تتأخر المحكمة الابتدائية بمدريد يوم 13 شتنبر الجاري في اتخاذ إجراءات احترازية ضد المكتب المسير السابق، ممثلا في كل من محمد علي الذي غاب عن الجلستين السابقتين من المحاكمة، والذي اعتبرته المحكمة في حالة تمرد، وسعيد بورحيم، نلخصها فيما يلي: 1 تسليم كل الوثائق الخاصة بالفيدرالية على وجه السرعة إلى المكتب الذي يسيره بنجلون ويتعلق الأمر بكل العقود الموقعة باسم الفيدرالية وجميع الكشوفات والوثائق المتعلقة بالحسابات والبنوك والضرائب والتسيير الإداري سواء أكانت عمومية أم خصوصية، موجودة كانت في مقر الفيدرالية الكائن بشارع بريسيا بمدريد أو في أي مكان آخر. 2 الكف فورا عن القيام بأي نشاط أو مهمة مرتبطة بمنصبيهما كرئيس وكاتب عام للفيري 3تسليم مفاتيح المقر المركزي للفيري والكائن بشارع بريسيا بمدريد وقد أمهلت القاضية المتابعين في هذه القضية عشرين يوما لاستئناف هذا الحكم أو تنفيذه مع دفع مصاريف المحاكمة. وتبعا لقرار المحكمة هذا طلب الرئيس الجديد للفيري منير بنجلون الأندلسي من مكتب خبرة عالمي افتحاص مالية الفيدرالية للكشف عن طريقة صرف المبالغ المالية التي تلقتها الفيدرالية من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والتي تقدر إلى حد الساعة ب 497 ألف يورو. ووعد بنجلون بنشر كل الوثائق المتعلقة بالفيدرالية وتفاصيل صرف المساعدات التي تلقتها الفيدرالية من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية وكذا نشر نتائج عملية الافتحاص والتدقيق المالي التي أمرت بها المحكمة (أنظر صفحة تحت المجهر)، لنشر ثقافة الشفافية في تسيير الشأن الديني في إسبانيا. وبرأي عدد من المراقبين للشأن الإسباني والعلاقات بين المغرب وإسبانيا فإن السرعة والحزم الذي أبداهما القضاء الإسباني في هذا الملف يوحي بأن إسبانيا عازمة على "تجفيف منابع التمويل المغربي للشأن الديني على التراب الإسباني، حيث أن الأجهزة الأمنية الإسبانية متخوفة من سيطرة الاستخبارات المغربية على الحمعيات والهيئات الدينية واستعمالها للضغط على الجار الشمالي، خاصة وأن للبلدين ملفات خلافية شائكة وعلى رأسها قضية احتلال ثغري سبتة ومليلية وعدد من الجزر من قبل إسبانيا. وكان الرئيس الجديد للفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية قد اتهم في حوار سابق مع أندلس برس، " أطرافا بمحاولة تسييس الحقل الديني بإسبانيا"، مما اعتبره العديد من المراقبين، اتهاما مباشرا لمكتب الفيدرالية الذي أسقطت المحكمة الشرعية عنه بتنفيذ "أجندة المغرب" في إسبانيا. كما أن ذات المراقبين يرون أن مقربين من الملك محمد السادس أثاروا مخاوف أجهزة الاستخبارات الإسبانية عبر لقاءات وتصريحات كان أهمها اللقاء الذي عقدة بمراكش مدير المخابرات العسكرية المغربية محمد ياسين المنصوري نهاية شهر نونبر من سنة 2008 بعدد من الأئمة في أوروبا من بينهم زهاء ثلاثين إماما من إسبانيا وكذا تصريحات صديق العاهل المغربي، فؤاد عالي الهمة الذي أرسل نهاية أبريل من سنة 2009 "عدة رسائل" إلى إسبانيا. وكان الهمة الذي يشغل حاليا منصب مستشار للعاهل المغربي قد أطلق عدة قذائف من العيار الثقيل على إسبانيا حين قال إنه لا يعقل أن تظلّ هذه الأخيرة "تتعامل مع المغرب بعقلية خمسينيات القرن الماضي"، وأنّ مستقبل إسبانيا هو رهين بازدهار الريف المغربي الذي لا يطلب حسنات من مدينة مليلية المتواجدة بتخومه، متهما الجار الشمالي بالتدخل في الشؤون الدينية للمغاربة بإقدامها على منع الصلاة باسم أمير المؤمنين "وما أصبح يثيره ذلك من مشاكل لإسبانيا في عقر دارها".