انتهت معركة السباق نحو قصر الألزيه في فرنسا بفوز المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في الدورة الثانية من هذه الانتخابات، ليتوقف حكم منافسه نيكولا ساركوزي عند ولاية واحدة. و يتيح فوز الاشتراكي فرنسوا هولاند في انتخابات الرئاسة الفرنسية التي جرت الاحد عودة اليسار الى الاليزيه بعد غياب دام 17 عاما. ويصبح هولاند بذلك الرئيس السابع للجمهورية الخامسة لمدة خمس سنوات، ليتزعم احدى الدول الكبرى في العالم التي تملك السلاح النووي، والعضو الدائم في مجلس الامن، والتي تلعب دورا رئيسيا في الاتحاد الاوروبي. كما انه ثاني رئيس اشتراكي لفرنسا بعد فرنسوا ميتران الذي حكم هذا البلد ما بين 1981 و1995. مع العلم ان اليسار كان في السلطة ما بين عامي 1997 و2002 في اطار صيغة تعايش بين رئيس حكومة يساري ورئيس يميني. وبعيد اقفال مكاتب الاقتراع الساعة 20,00 (18,00 تغ) من مساء الاحد صدرت تقديرات مؤسسات الاستطلاع، فافادت مؤسسة "سي اس اي" ان هولاند حصل على 51,8% في حين اعطته ايبسوس 51,9%، و"تي ان اس سوفريس" 52%. واعتبر هولاند مساء الاحد ان الفرنسيين "اختاروا التغيير" بانتخابه رئيسا للجمهورية وقال هولاند امام انصاره في مدينة تول في وسط فرنسا "لقد اختار الفرنسيون في هذا السادس من ايار/مايو التغيير بانتخابي رئيسا للجمهورية" مضيفا انه سيكون "رئيس الجميع". واضاف "اقدر الشرف الذي حظيت به وادرك المهام التي تنتظرني. انني اتعهد امامكم بخدمة بلادي بكل ما يستوجبه هذا المنصب من اخلاص ومثالية". وتابع الرئيس المنتخب "اوجه تحية جمهورية الى نيكولا ساركوزي الذي قاد فرنسا طيلة خمس سنوات والذي يستحق بهذه الصفة كل احترامنا". الا ان انصاره قابلوا كلامه هذا عن ساركوزي بصيحات الاستهجان. وقال هولاند ايضا "اعبر عن عميق تقديري لكل الذين جعلوا بصوتهم هذا الانتصار ممكنا" مطالبا بان يحاسب "على التزامين اساسيين هما العدالة والشباب". وسارع ساركوزي الى الاقرار بهزيمته وقال امام انصاره في باريس "بات لفرنسا رئيس جمهورية جديد، انه خيار ديموقراطي وجمهوري. فرنسوا هولاند هو الرئيس الجديد لفرنسا ويجب احترامه". واضاف "تحدثت اليه لتوي عبر الهاتف، اتمنى له التوفيق في ظل التحديات". وتابع ساركوزي "اتحمل كامل المسؤولية عن هذه الهزيمة (...) لست شخصا لا يتحمل مسؤولياته". واضاف ان "حقبة اخرى تبدا، في هذه الحقبة الجديدة سابقى واحدا منكم شخصا تستطيعون الاعتماد عليه للدفاع عن افكارنا وقناعاتنا لكن موقعي لا يمكن ان يبقى كما هو ... والتزامي سيكون مختلفا". واضاف "بعد 35 عاما في العمل السياسي وعشر سنوات في اعلى مستويات المسؤولية السياسية وخمس سنوات على راس الدولة فان التزامي سيكون من الان فصاعدا مختلفا". كما دعا ساركوزي خلال اجتماع لكبار المسؤولين في حزبه الى العمل "للفوز في معركة الانتخابات التشريعية" مضيفا "يمكن الفوز فيها. ان النتيجة (الاحد) مشرفة. لن اخوض هذه المعركة". وتجري الانتخابات التشريعية المقبلة في حزيران/يونيو. ورحب رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيوس بما اعتبره "الفوز الرائع" لهولاند، فيما اعلنت سيسيل دوفلو زعيمة حزب الخضر المتحالف مع الاشتراكيين ان هذه النتيجة تمثل "فرصة لفرنسا وللبيئة وللعدالة الاجتماعية وللديموقراطية". وقال المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي بينوا هامون "انه حدث سعيد جدا ينهي سيطرة اليمين على الاليزيه طيلة 17 عاما". من جهتها اعربت الاشتراكية سيغولين روايال المرشحة السابقة للرئاسة في فرنسا عام 2007 عن "سعادة عارمة" بفوز رفيقها السابق ووالد ابنائها فرنسوا هولاند، في حين بكى ابنهما البكر توماس فرحا عندما شاهد والده على شاشات التلفزيون. وردا على سؤال للقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي قالت روايال التي كان نيكولا ساركوزي فاز عليها عام 2007 "بامكان الفرنسيين ان يثقوا به". من جهته قال توماس "انا متأثر جدا، لقد شاركت في هذه الحملة كما كنت شاركت قبل ذلك في حملة سيغولين روايال، والدتي، الا ان الحملة انتهت هذه المرة بالانتصار".
دوليا هنأ رئيس البرلمان الاوروبي مارتين شولز ورئيس حزب الاشتراكيين الديموقراطيين الالماني سيغمار غابرييل الاحد هولاند بفوزه بالانتخابات، واصفين فوزه بانه "اشارة الى اوروبا بأسرها". وقال القياديان في الحزب الحزب الاشتراكي الديموقراطي في رسالة تهنئة مشتركة الى هولاند ان "فوزك وانتصار الحزب الاشتراكي يمثلان اشارة ضخمة لاوروبا باسرها". ولاند بذلك قد فاز على الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي، آخر القادة الاوروبيين الذين اطاحت بهم الازمة الاقتصادية بعد اليونان واسبانيا وايطاليا. وساركوزي هو الرئيس الثاني الذي يهزم في محاولته لتجديد ولايته بعد فاليري جيسكار ديستان عام 1981. وقدرت نسبة المشاركة بما بين 80 و82% وهي اعلى قليلا من النسبة التي سجلت خلال الدورة الاولى التي جرت في الثاني والعشرين من نيسان/ابريل الماضي. الا انها تبقى اقل من نسبة المشاركة التي سجلت في الدورة الثانية من انتخابات العام 2007. والجمعة خلال اليوم الاخير من الحملة الانتخابية قال هولاند "انا مستعد لقيادة البلاد" داعيا الفرنسيين الى اعطائه فوزا واضحا. وتصدر هولاند الدورة الاولى من الانتخابات (28,63% مقابل 27,18 لساركوزي) وكان يعتبر منذ اشهر المرشح الاوفر حظا للفوز في هذه الانتخابات. وقال لدى ادلائه بصوته "سيكون النهار طويلا لكني لا اعلم هل سيكون اليوم جميلا، سيقرر الفرنسيون ذلك". تخرج هولاند من المدرسة الوطنية للادارة الشهيرة في فرنسا التي خرجت كبار زعماء البلاد، وترأس الحزب الاشتراكي طيلة احد عشر عاما من دون ان يتسلم اي منصب وزاري. وانتخب الاحد على خلفية ازمة اقتصادية قاسية تمثلت بزيادة قياسية للعجز في الموازنة ونسبة بطالة قياسية فاقت العشرة بالمئة وتراجع الصناعة ونشوء مخاوف لدى الفرنسيين من خضوعهم لخطة تقشف قاسية من قبل الاتحاد الاوروبي. واعلن هولاند ان اول زيارة له الى الخارج ستكون الى المانيا لمقابلة المستشارة انغيلا ميركل لاقناعها باعادة التفاوض حول ميثاق الموازنة الاوروبية لادخال بند يتعلق بالنمو. واكد المقربون من هولاند انه سيتصل بها هاتفيا مساء الاحد. وكان ساركوزي (57 عاما) حقق فوزا كبيرا عام 2007 قبل ان يمنى مساء الاحد باقسى هزيمة سياسية له طوال حياته السياسية التي تناهز الثلاثين عاما. وبقي ساركوزي حتى اللحظة الاخيرة مقتنعا بامكان تحقيق "مفاجأة كبيرة". وكرر مرارا بانه تمكن من تجنيب فرنسا فوضى اقتصادية مشابهة لتلك التي ضربت اليونان. الا ان الرئيس المنتهية ولايته فشل في اقناع اي من مرشحي الدورة الاولى بتقديم الدعم له، بخلاف هولاند الذي حظي بدعم واضح من اليسار الراديكالي وانصار البيئة. وبعد ان حصلت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن على نحو 18% خلال الدورة الاولى استخدم ساركوزي خطابا متشددا ازاء الهجرة والمهاجرين على امل الحصول على اصوات هذا اليمين المتطرف. الا ان لوبن اكدت بانه ستصوت بورقة بيضاء في حين اعلن الوسطي فرنسوا بايرو انه سيصوت لهولاند. ويكون الفرنسيون بذلك قد عاقبوا ساركوزي على سياسته "اليمينية بالكامل". وهناك فرق كبير بين المرشح الفائز والرئيس المهزوم. هولاند يريد اعادة مناقشة المعاهدة الاوروبية واعادة التوازن الى الميزانية عام 2017، كما انه يريد فرض ضرائب على الاكثر ثراء ومحاربة البطالة عبر تامين وظائف خاصة للشبان. ومن المتوقع ان يتسلم هولاند مهامه في الخامس عشر من ايار/ماية كحد اقصى. وبعد ان يزور المانيا سيزور الولاياتالمتحدة للاشتراك في اجتماع الدول الثماني ثم يشارك في قمة للحلف الاطلسي حيث سيطالب كما وعد بسحب سريع للقوات الفرنسية من افغانستان.