احتل مهاجر إريتري، عاش فترة من عمره في مدينة جدة، على ساحل البحر الأحمر، مانشيتات أشهر الصحف البريطانية التي وصفت عمله الروائي “عواقب الحب في السعودية” بالمدهش والجميل، بل واحتفى به النقاد ومنهم الاسم البارز الكاتبة البريطانية جوان هاريس. العمل الذي نسجت فصوله في السعودية على شكل أحداث عايشها مهاجر إريتري في مرحلة فتية مبكرة من عمره، ترجم إلى 20 لغة. ويرى البعض أن حديثه عن المسكوت عنه في السعودية والمبالغة في ذلك هو السبب الأول في هذا الحضور الروائي المفاجئ، والذي وصفته صحيفة الديلي ميل بأنه “رواية جميلة مكتوبة لأول مرة ومؤثرة وتجتاح صورة مدمرة في عالم خانق”، فيما قالت الصنداي تايمز: “قصة حب، في الشوارع الضيقة والحر القائظ في المملكة العربية السعودية... العاطفة الواردة تكاد تكون قاهرة”، وغيرها الكثير من التعليقات . الرواية وصفت أيضاً بتعمد الإساءة إلى السعودية، عبر تضخيم الأحداث والمبالغة في الحديث عن الحياة الاجتماعية، والخوف والرهبة التي يعيشها الشباب وعلاقتهم بالمؤسسة الدينية وبالمسؤول. السعودية عرضة للانتقاص من جهته، علق الروائي السعودي المعروف يوسف المحيميد على ذلك بقوله “للأسف لم أقرأ العمل حتى أحدد موقفي بالضبط، لكن ما توفر لدي من معلومات جعلها تذكرني بما حدث قبل عقدين، حينما كان الروائيون العرب يكتبون عن السعودية فتلفت أعمالهم الانتباه والضجيج، ومن ذلك (نجران تحت الصفر) ليحيى خلف، و(البلدة الأخرى) لإبراهيم عبدالمجيد، و(مسك الغزال) لحنان الشيخ وغيرهم”. وأكد المحيميد أنه “رغم أن لهؤلاء الروائيين أعمال أهم من تلك الروايات إلا أن موضوعها الذي يخص مدناً سعودية وما يحدث فيها، هو ما لفت الانتباه إليها على المستويين العربي والمحلي”. وأضاف “ها نحن نواجه وسنواجه مستقبلاً روايات من هذا النوع، لكنها هذه المرة من كتاب أجانب. ولقد كنت أقول لنفسي مراراً لو أن أحد هؤلاء الذين يعملون في المنازل من خادمات وسائقين يمتلكون نَفَس الكتابة الروائية، فإنهم سيقدمون رواية أو حتى كتاب مذكرات مذهل ومثير لسبب بسيط، هو أنه ينقل أسراراً وعوالم خلف الحيطان العالية”. ومضي المحيميد يقول “علينا ألا نكون مصابين بحساسية عالية جداً تجاه ما يكتب عنا، سواء كانت حقائق أو تزييف. فالأدب – بالمناسبة- لا يقدم حقائق وأرقام بقدر ما يقدم عملاً تخييلياً.. لذلك أظن أن السعودية بكل ما فيها ستكون عرضة للانتقاص من الغرب. علينا أن نتقبل وألا نكابر وأن نعترف بالخطأ إن وجد، وألا نحصر ذلك علينا فقط في الحديث عنه. علينا بالمقابل معالجة أنفسنا والخلل من الداخل بدلاً من محاولات التقييد البائسة”. عناوين مشبوهة أما الناقد والكاتب السعودي حامد بن عقيل فيرى أنه “دون قراءة الرواية كاملة يصعب الحديث عن أن سبب كتابة الرواية هو وجود (عدائية) ما تجاه المجتمع السعودي. بالنسبة لي أرى أن أياً من وسائل الإعلام تستطيع استخدام أي نص لتقويله ما لم يقل”. ويؤكد “مع هذه الرواية يبدو لي احتفاء الصحافة الغربية وشبكات التلفزة بالرواية مريباً، لكنه لا يدين الرواية. فتوظيف عمل ما لتمرير بعض الأفكار من خلاله لا يدين محتوى ذلك العمل بشكل مباشر. فالنص كما هو الحال مع هذه الرواية غائب عنّا”. ويضيف عقيل: “بينما نحن هنا نعلّق على ردود الأفعال والاحتفالية الإعلامية الغربية التي لا بد أن لها أسباباً ليس من بينها قراءة الرواية فنيّاً. الاستعمال هنا صحفي بحت وليس نقدياً يمكن الثقة به. وبالعموم، حتى في وسائل إعلامنا المحلية ربما تم استخدام بعض النصوص لخدمة فكرة ما من خلال ليّ أعناقها وتقويلها ما لم تقل”. ويختم بقوله “ولأكون محايداً، أقول: إن العناوين التي أوردتها الصحف الغربية حول الرواية مشبوهة، لاعتمادها على مفردات تكاد تكون مكررة، مثل: (الدولة المظلمة اللاإنسانية). لننتظر إذن حتى تصلنا الرواية، وسنرى بالتأكيد مدى مصداقية الإعلام الغربي في تناوله ما يخص المملكة العربية السعودية”. نفسية “البطل” الموجهةالرواية التي تدور أحداثها في مدينة جدة وتسحب التصورات للقارئ عن شعب كامل، تحاول أن تتوغل في التفاصيل المؤرقة والمزعجة أيضاً، وهي تتخطى الحضور العادي إلى اجترار المسكوت عنه الذي سبق وتطرقت له أقلام سعودية روائية وغالبتها نسائية في أعمال رواية جسدت طفرة قبل فترة وكلها تعرضت بشكل أو بآخر لعرض جوانب كان يتم تجنبها قبل عقد من الزمن . يصطحبك الكاتب، الذي هو البطل أيضاً، في زمن حول نهاية الثمانينات وبداية التسعينات الميلادية، عبر أزقة جدة مصوراً البيئة السعودية كأكثر بيئة قمعية في العالم. حيث تتحدث الرواية عن “ناصر” اللاجئ الذي يعيش تحت عيون دوريات الشرطة الدينية في الشوارع والصمت المخيف في سيارات الجيب، وبحث الشرطة عن أي تلميح غير لائق من خلال نوافذ مظللة. عبد الناصر الذي تسلبه لبه، في حالة تبدو غريبة، فتاة تقترب منه لتسلمه رسالة حب فيبقى مخلصاً لرومانسية عالقة بين ثقافة المنطقة مجال الأحداث، ورومانسية القرون الوسطى.. لكنه صبياني وشجاع يتحلى بروح المغامرة في محاولة لإتمام حبه وتجنب العقوبة الرهيبة.. كما أنه يشكل اعتناق الأصولية الدينية ويحتال على شرطي من أجل تبادل مذكرات مع عشيقته. وعلى نفس هذا النهج، تتصارع الأحداث وهي تبدو كأنها تشكل معالم فاصلة ومنعطفات لا تُنسى في نفسية البطل في تركيز على تصوير مُوجه. ولا يتوقف حتى لاحترام ذكاء القارئ القادر على ربط بعض الأحداث البسيطة ببعضها في بديهية معروفة. الكاتب سليمان أدونيا نفسه قال في مقابلة تلفزيونية “تجري أحداث الرواية في مدينة جدة السعودية في صيف 1989. وكما نعلم أن السعودية هي دولة إسلامية، الرواية تحاول اكتشاف عدة قضايا في هذا المحيط”. ويضيف “كما يبين عنوانها هي قصة حب كتبت من منظور شاب صغير غريب عن المجتمع السعودي، واسمه ناصر وهو أرتيري من شرق إفريقيا في عمر العشرين، يجد صعوبة في التأقلم مع الثقافة السعودية، خصوصاً الفصل القسري للنساء عن الرجال. سليمان يرى النساء في الشارع منقبات من الرأس إلى أخمص القدمين، ويرتدين البرقع الأسود والعباءة، واعتبار العلاقات خارج الزواج غير شرعية”، مؤكداً أنه يعتبر الرواية عملاً مركز دون قيود، حتى في وصف أدق العلاقات الجسدية.