ثلاثون عاماً من الصبر على أنظمة خلفها استعمار غربي لبلادنا بعدما انسحب هانئ البال وهو يدرك تمام الإدراك أن شعوباً كشعوبنا تُقاوم الرصاصة بالحجر وتأبى أن تركع لأي عميل أو محتل ثلاثون عاماً والأنظمة العربية تسعى لفرض عملية السلام مع المحتل بشتى أشكال التفاوض والتنسيق والتطبيع وتُقابل أصوات شعوبها بالقمع بالعصي والسجون , حتى أصبع عدد السجون بالبلاد العربية يزداد مع كل زيادة في سعر الخبز . فما أكثر السجون وما أغلى سعر الخبز في بلادنا. ثلاثون عاماً كانت كافية لتدرك شعوبنا العربية أنها اصبحت في مؤخرة الركب, إن أرادوها حرباً فهي حربٌ وإن أرادوها سلماً فهو سلمٌ. ما من أحد ليسأل “ماذا تريدين أيتها الشعوب؟” وما كان لأحد ليترك للشعوب أن تقرر مصيرها بنفسها وأن تختار من يقودها . طيلة هذه السنوات وهي تُعامَل كالغبية أو ربما كطفل صغير إن مدَّدنا له قطعة حلوى سكت ونام. سنين توالت والأنظمة لازالت نفسها ,الوجوه,الوعود,الآمال و الخطابات لا شيء تغير ولا حتى من نوايا صادقة للتغيير الفعلي .بل كلما بدأ صوت الشعب يعلو قليلاً مطالباً بالتغير أسكتوه بوعود كاذبةً متمثلةً في مضاعفة الأجور وتخفيضات في الأسعار وقليل من الأحلام تذوب كلما زاد نزيف الجرح اتساعاً وهاهي اليوم تونس الخضراء تثور ضد الطاغية زين العابدين بن علي ومصر تنتفض ضد فرعونها حسني مبارك بعدما كدنا أن نشكك في تواريخهما النضالية الطويلة . أيام قليلة تقلب فيها الموازين لصالح صوت الشعب ,ثار الشعب بكل جرأة فأسقط النظام وطالب بمحاكمة الرئيس وتغيير في دستور الدولة وهو يقول وبصوت عال” كفى.. لسنا مغفلين” لم يكن لأي من الأنظمة العربية ولا حتى القوى الكبرى بالعالم أن تتخيل يوماً أن الشعوب ستثور وستقف وقفة رجل واحد لتكشف هشاشة تلك الأنظمة المستبدة التي عجزت أن تضبظ نفسها أمام الملايين الثائرة فانسحبت وفرت فكيف بها إذا قوبلت يوما بتهديد باحتلال خارجي وإن كان أمراً مستبعداً ما دامت كخاتم في أصبع القوى الكبرى لقد ولى الزمن الذي كانت فيه القنابل المسيلة للدموع تفرق الحشود والرصاص الحي يخيف البقية المعتصمة والسجون ترعب الأصوات العالية و”البلطجية” تدهس قرار ملايين المتظاهرين ضد الظلم والفساد. زمنٌ كان فيه خطاب رئيس الدولة يهز القلوب ويعيد المياه لمجاريها, فيطمئن الشعب بأنه على الأقل “قد فهم” شعبه كل المعايير تغيرت. أصبحت كلمة الشعب تسقط نظاماً وتضع شروطاً لمن تملي عليه نفسه بقيادة البلاد. لقد أصبح واضحاً أننا أصبحنا في زمن جديد بحيث أصبحت القوى الكبرى فيه تتناسى تدريجياً تلك الأنظمة وإن كانت هي من اختارها ووضعها حفاظا على أمنها واستقرارها بالمنطقة ,لانها تعلم جيداً انه بتغير الأنظمة يتغير مصيرها . فالمتابع للخطابات السياسية للدَّول الغربية بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية إبان الثورتين التونسية والمصرية سيلاحظ أن تلك القوى تُحاول أن تظهر بمظهر المدافع عن حق الشعب في التظاهر السلمي وعلى الحكومات ألاَّ تقمع الاصوات بالرصاص أو السجن وإن كانت في حقيقة الأمر خائفة ومترقبة لما تحمله الأيام الماضية, وهذا الخطاب ليس له سوى تفسيرين اثنين أولهما أن الغرب اصبح على وعي تام بأن الانظمة العربية إلى زوال وبالتالي يقابل الشعب الثائر بكلمات الديموقراطية وحق التعبير وتقرير المصير فليس همه الآن حسني مبارك أو عمر سليمان همه الوحيد المحافظة على نضام عميلٍ وموال للويلات المتحدةالأمريكية وإسرائيل,وثانيها هو فشل ما كان يحلم به الغرب في تخدير الشعوب العربية عن طريق الاستعمار غير المباشر ,فبدل ان يلوم الانظمة على ثمن الرصاص الذي تستورده منه والمعونات التي تتمتع بها ,هي الآن تحاول ان تضع لنفسها صورة جديدة تطمئن بها الأنظمة الجديدة المرتقبة محاولةً في الوقت ذاته أن تكسب ثقة الشعوب مجدداً. ولكن هيهات هيهات .لا الأنظمة الدكتاتورية ولا الغرب الكاذب سيعيدان للشعوب العربية ثقة هزها خذاع سنوات طويلة ,عشناها على صبر أيوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى على العدو قبل الصديق أن يستجيب لمطالب الشعوب الكريمة فليكتب التاريخ سقوط أنظمة بنت ابراج العاج على دمعة مسكين وصرخة أسير ودماء مقاوم أكتب أيها التاريخ أننا شعوب طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وصلاح الدين الأيوبي وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار وجمال عبد الناصر ,أكتب أننا مازلنا على خير وأن الثورة مستمرة حتى يًعاد الحق لكل مظلوم وكدا يقتص من كل ظالم ما ظلم وعلى قول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:إذا الشعب يوماً أراد الحياة...فلا بد أن يستجيب القدر.