يبدو أن منطق الاصطفافات والثنائية المانوية التي ظهرت قبل الميلاد في الديانة الزرادشتية في بلاد فارس، قد وجدت لها ناسكين ومريدين جدد يتعبدون عبر عقيدتها القائمة على وثنية "أهرمن" (إله الخير والنور) ويزدان (إله الشر والظلام)، ويرتلون أذكارها صباح مساء، عبر تقسيم العالم إلى معي (الخير والنور) أو ضدي (الشر والظلام)، وفي هذا السياق انتفضت حنان رحاب نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن بعض السلوكات الغريبة على الجسم الصحافي المغربي، وبالخصوص " البيان الصادر عن اللجنة الوطنية من أجل الحرية لمعتقلي الرأي والدفاع عن حرية التعبير"، معربة عن رفضها لهذا المنطق الأعوج المنتصر لعقلية القبيلة وما قبل الدولة الحديثة والمؤسسات التي تحتكم إلى العلم والقانون عند الاختلافات. ونشرت رحاب تدوينة عبر صفحتها الفيسبوكية عشية أمس الأحد تعبر عن رفضها لهذا السلوك الغريب والمشين للجسم الصحافي قائلة :"من غير المعقول أن نقبل تقسيم الجسم الصحافي إلى "أخيار" و"أشرار" لأن معركة الدفاع عن حرية الإعلام في المغرب واحترام أخلاقيات المهنة موكولة أساسا للمهنيين مهما كانت خطوط تحرير مؤسساتهم الإعلامية وتتجاوز ما هو سياسوي...". وجددت القيادية النقابية دعوتها بضرورة فتح نقاش عمومي حول مصطلح التشهير الذي أصبح اليوم يوظفه البعض كلما لم يرقهم خبر ما قائلة: "لقد أوضحت في تدوينات سابقة أن عدم احترام أخلاقيات المهنة وهو ما يصفه البعض بالتشهير، يحتاج إلى نقاش عمومي بين الجميع نقف فيه على تفاصيل الإشكاليات المطروحة على طاولة الجدل بعيدا عن أي شكل من أشكال تصفية الحسابات"، مؤكدة أنه "يجب أن نحدد مفهوم التشهير الذي نتحدث عليه، بناء على ما تنص عليه المواثيق الدولية والقوانين الوطنية وميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة وننبه إليها بكل تجرد، لا أن نخلط ما هو سياسي بما هو مهني، لأن هناك من يريد أن يتحول إلى "مقدس" في الصحافة فقط لأنه يعتبر نفسه "معارضا"، وبالتالي فإن كل انتقاد يوجه إليه يعتبره تشهيرا، فأن ينتقد صحافي موقفا صادرا عن شخصية عمومية فهذا يدخل في باب حرية الرأي والتعبير مادام لم يمس هذا الانتقاد بقرينة البراءة أو الكرامة الإنسانية." وأبرزت رحاب أن "التشهير قد يمس جميع الفاعلين مهما كانت خلفياتهم، وقد تابعنا كيف أن البعض تم التشهير به في وسائل إعلام تعتبر نفسها تحترم أخلاقيات المهنة، وتعارض "التشهير" والأمثلة في هذا الصدد متعددة" لافتة أن "محاولة خلق اصطفاف سياسي في قضية مهنية لا يعدو أن يكون إلا استبدادا من نوع آخر يريد أن يفرضه البعض دفاعا عن تصوره للصحافة والإعلام." وأوضحت رحاب أن البيان الصادر عن "اللجنة الوطنية من أجل الحرية لمعتقلي الرأي والدفاع عن حرية التعبير" سقط في "فخ" محاولة خلق اصطفاف غير موجود داخل الجسم الصحافي باستخدام مصطلحات من قبيل "منابر البؤس" و"صحافة التشهير" وأشباه الصحافيين" مقابل التعبير عن مساندة بيان "صحافيون مغاربة ضد صحافة التشهير" متسائلة في ذات السياق :" فهل الصحافيون المقدر عددهم بالمئات الذين لم يوقعوا على البيان المذكور يمكن اعتبارهم "أشباه صحافيين"؟ وهل عدم الاتفاق مع مضمون البيان أو سياقه أو بعض تفاصيله يسمح بوصف شخص معين بأنه من "أشباه الصحافيين"؟ ثم من هذا الذي منح لنفسه الحق في تقسيم الحقل الإعلامي بهذا الشكل؟ وما هي خلفيته الحقوقية والسياسية والمهنية؟ ألا تعد أحكام القيمة الواردة في تلك الفقرة من البيان عبارة عن تشهير من نوع آخر؟". وشددت القيادية النقابية في ختام تدوينتها على أنه "لا أحد يدافع عن خرق أخلاقيات مهنة الصحافة إلا إذا كان شخصا غير عاقل في تقديري"، مبرزة أن "هذه المعركة النبيلة لا يجب أن تتحول إلى شكل من أشكال تصفية الحسابات مع مؤسسات إعلامية فقط لأن لها خطا تحريريا معينا أو اتخاذها مطية لتمرير انتقادات لمؤسسات أخرى..". Tweet Partager