خاطئ من يعتقد أن ما يقع في منطقة الشرق الأوسط لا يعني المغرب في شيء. فعلى امتداد 60 عاما كان المغرب أكبر حليف لدول الخليج، ومُوقّع على معاهدة الدفاع المشترك، التي بموجبها خاض حرب الخليج للدفاع عن وحدة الكويت ضد العراق، وسبق أن قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران من أجل البحرين. ولمحاولة فهم السياقات السياسية والجيواستراتيجية الحالية لمواقف دول الخليج وتفاعل المغرب معها، لا بد من العودة على الأقل لست سنوات خلت مع اندلاع حراك الربيع العربي. فدول مجلس التعاون الخليجي، التي كانت على الدوام "سويسرا" العرب، تقرب وجهات النظر وحتى تستعمل سلطة المال لتصلح ذات البين بين الأشقاء، بدا وكأنها تخلت عن أهم رصيد معنوي لها تجاه الشارع العربي. في البدء، كانت ليبيا أولى ساحات بداية تصريف الانتقام الخليجي الذي قوض رزانة تلك الدول، وهي تتحالف مع فرنسا ضد العقيد معمر القذافي، الذي تجرأ في آخر قمة عربية له على العاهل السعودي المرحوم عبدالله بن عبدالعزيز. ولما أدوا المهمة بنجاح انسحبت قطر وظلت دولة الإمارات إلى جانب جمهورية مصر، تساندان الجنرال خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية التي يدعمها المجتمع الدولي، وذلك بحثا عن مكاسب صغيرة. في الوقت نفسه كانت سوريا تحترق وقد صارت الرجل المريض الذي تتصارع على جثته، من جهة إيران لتشييع البلد، ومن جهة أخرى السعودية وقطر لطرد الأسد وتعويضه بنظام سني وهابي. فكانت التكلفة باهظة وهي بروز تنظيم دموي إرهابي هو "داعش"، الذي لا ولاء له لا لهذا ولا لهؤلاء، وكان ذلك أكبر صفعة تلقوها كلهم، فشرعت الأبواب لروسيا بوتين، الذي استغل تخاذل أمريكا أوباما، ودخل سوريا من الباب الواسع ليعيد الروح للأسد وتتلقى الرياض والدوحة خسارة موجعة، خاصة بعد انسحاب تركيا من تحالفهما ضد الأسد، محتجة عن انحراف مسار الخطة الأولية. وبعد فقدان هذه الجبهة، كانت الوجهة التالية هي اليمن التي كانت تعرف سيطرة الشيعة الحوثيين بدعم لوجستيكي من إيران، مما اعتبرته السعودية بمثابة إعلان حرب عليها بالوكالة. فشكلت تحالفا من عدة دول، من بينها المغرب وكل دول الخليج بما فيها قطر، وغزت اليمن جوا لدعم حكومة صنعاء، فيما ذهبت الإمارات أبعد من ذلك وهي تبعث قوات برية لمواجهة الحوثيين على الأرض. النتيجة هي أن حلفاء إيران وإن تراجعوا فهم لم يهزموا، فيما حلفاء السعودية لم يحققوا النصر الذي اعتقدوا في البداية أنه سيكون في متناول اليد، خلال بضعة أيام فقط. ووسط هذا الدمار الشامل، الذي يحيل على مستقبل قاتم للمنطقة، نستحضر كلمة الملك محمد السادس في قمة الرياض قبل سنتين، عندما أشار ضمنيا إلى رغبة قوى عظمى في زرع الفتنة في المنطقة وجرها لنزاعات ستقسم وتجزئ وتخلق دويلات. وها هي مجريات الأحداث تحيلنا على هذا المشهد البئيس الذي يجعل دولا خليجية تنساق لنزوات غربية وتعلن "الحرب" على شقيق وكأنها تستأصل أعضاءها بنفسها. لذلك كان المغرب حكيما وهو يعتذر لأشقائه الخليجيين قبل عامين عن دعوتهم له إلى الانضمام لمجلس التعاون الخليجي. فللمغرب خصوصياته التاريخية وشخصيته التي تفرض عليه أن يتخذ المسافة نفسها من أشقائه، لأنه في كل بيت تقتضي الحكمة وجود رجل التوازنات والمقاربة المتصالحة. فما أسهل أن تتبنى المواقف العدوانية لأن التدمير يأخذ لحظات، فيما البناء يتطلب وقتا، إن لم نقل عقودا. ولعمري هذا ما يقع الآن للأشقاء الخليجيين وهم في حالة شرود سيخرجون، لا محالة، منها، إن لم يتداركوا الموقف، وهم مهزومون. وها هي أولى الإشارات تأتينا للأسف من تصدع البيت السعودي، الذي لن نخوض في تفصيله لأن أهل مكة أدرى بشعابها، لكن لا يمكن إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على الأرض المقدسة من الدنس وتكالب الغرب عليها. ونزداد تخوفا لقتامة المشهد ونحن نرقب الإعداد لإعلان حرب بالوكالة على لبنان الجريح، الذي تعرض الأسبوع الفارط لإحدى أكبر الإهانات. فاللهم نسألك اللطف في قدر هذه الأمة التي تفقد كل يوم ما تبقى لها من صواب!