تعيش وزارة العدل، حاليا، الأيام الأخيرة قبل "تفكيكها"، حيث ستتخلى نهاية هذا الأسبوع، عن أهم اختصاصاتها السابقة. الوزارة وبناء على القانون التنظيمي الخاص بالسلطة القضائية، ستتنازل ابتداء من يوم السبت المقبل، عن وظيفتين أساسيتين: الأولى، هي "أمانة" المجلس الأعلى للسلطة القضائية، باعتبار أنها كانت تتولى الرئاسة المنتدب للمجلس الأعلى للقضاء، كما ستفقد الوزارة جميع صلاحياتها وسلطاتها المرتبطة بمجال النيابة العامة. مصدر موثوق من داخل الوزارة، قال ل"أخبار اليوم" إن القانون التنظيمي للسلطة القضائية، نصّ على مهلة 6 أشهر بعد صدوره في الجريدة الرسمية، لينتقل اختصاص "أمانة" المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى هذا الأخير، ويصبح الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيسا فعليا للنيابة العامة. سباق ضد الساعة مصادر "أخبار اليوم" قالت إن الوزارة كرّست كل جهودها طيلة الفترة التي مضت من عمر حكومة سعد الدين العثماني، لتحضير انتقال النيابة العامة إلى سلطة الوكيل العام للملك بمحكمة النقض. "بعد صدور بلاغ الديوان الملكي عقب المجلس الوزاري الأخير متم شهر يونيو، والذي دعا إلى التسريع بإصدار قانون نقل اختصاصات وزير العدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض، بذلت الوزارة كل جهودها، ونجحت بفضل تعاون السادة البرلمانيين، من إصدار هذا القانون حيث صودق عليه يوم 2 غشت الماضي". هذا القانون ينصّ على نقل جميع الصلاحيات والإمكانيات البشرية والمادية المرتبطة بالنيابة العامة، إلى اختصاصات الوكيل العام للملك بمحكمة النقض. محمد عبدالنبوي، مدير الشؤون الجنائية السابق في وزارة العدل والحريات، والذي عيّنه الملك شهر أبريل الماضي وكيلا عاما للملك بمحكمة النقض؛ سيستقبل يوم الجمعة المقبل وزير العدل محمد أوجار في المقر الذي تم استئجاره في حي الرياض بالعاصمة الرباط، ليجري معه عملية نقل السلطات بشكل رسمي. مصادر "أخبار اليوم" قالت إن وزارة العدل من تولت الإشراف على عملية تمكين الرئيس الجديد للنيابة العامة من مقر مستقل، "ونظرا لحاجته إلى أشغال للتهيئة والتجهيز، فقد تم إلزام الشركات التي تولّت الأمر بتسليم المقر قبل يوم 6 أكتوبر، حتى تجري عملية تسليم السلط فيه". محمد عبدالنبوي سيصبح ابتداء من يوم السبت المقبل، المسؤول الأول والوحيد عن ممارسة جميع اختصاصات النيابة العامة، من ممارسة للدعوى العمومية ومراقبة سيرها، وممارسة الطعون في القضايا التي تندرج ضمن اختصاصها، وتتبع الملفات المعروضة على القضاء، والتي تعتبر النيابة العامة طرفا فيها. صلاحيات شبه مطلقة وبعيدة عن أية رقابة برلمانية أو انتخابية، كانت قد أثارت تحفظات بشبه إجماع مكونات البرلمان متم الدورة البرلمانية الماضية، حيث شاطرت أهم فرق الأغلبية مخاوف المعارضة من "تغوّل" هذه السلطة الجديدة، رغم اضطرارها إلى التصويت لصالح المشروع كأغلبية حكومية. وعلاوة على البناية الجديدة، المستقلة عن وزارة العدل، والمنفصلة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ حصلت رئاسة النيابة العامة على موارد بشرية، تتمثّل أساسا في موظفي وقضاة مديرية الشؤون الجنائية والعفو داخل وزارة العدل. أي إن عبدالنبوي سيباشر مهمة الإشراف على النيابة العامة رفقة الموظفين الذين اشتغلوا تحت رئاسته سابقا داخل الوزارة. مصدر من هذه الأخيرة، قال ل"أخبار اليوم" إن مصالحها الموجودة في ساحة "المامونية" بالرباط، ستواصل "مواكبة" الرئاسة الجديدة للنيابة العامة، بعد تسلم هذه الأخيرة للسلطات رسميا. "الوزارة قامت بمساعدة الرئاسة الجديدة للنيابة العامة في تحضير مشروع ميزانيتها برسم القانون المالي 2018، كما سيستمر التنسيق والمواكبة إلى أن يكتمل تشكيل السلطة الجديدة".
المصدر نفسه أوضح أن وزارة العدل ستواصل مهامها الخاصة بوضع التشريعيات وكل ما يتعلق بالسياسة الجنائية، وممارسة مهام محاربة الفساد باعتبار الوزارة عضوا في اللجنة التي شكّلها رئيس الحكومة مؤخرا في هذا المجال. وبشأن مركز للاتصال قررت الوزارة مؤخرا إحداثه، يتولى تلقي شكايات المواطنين وتبليغاتهم حول الرشوة، قال المصدر نفسه إن "كلا من السيد الوزير والوكيل العام للملك قد اتفقا على التنسيق بشأنه، حيث ستتولى الوزارة القيام بعملية تصفية الشكايات الواردة، وإحالة ما يتطلب التدخل منها على مصلحة مختصة لدى رئاسة النيابة العامة". كما ستتسلم مصالح عبدالنبوي كل الأرشيف المتعلق بالقضايا التي كانت وزارة العدل طرفا فيها. تحفظات مناقشات القانون الخاص بنقل اختصاصات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، ميّزتها تحفظات جزء من الأغلبية وتحذيرات المعارضة، وهو ما عزّزه رأي رسمي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، دعا فيه إلى ضرورة "توضيح آليات المراقبة القانونية لعمل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بوصفه رئيسا للنيابة العامة متمتعا بصلاحية الأمر بصرف الاعتمادات". وفي الوقت الذي تؤدي السياسة الجنائية الحالية إلى سجن ما معدله 300 مغربي يوميا، جلّهم "أبرياء" بالنظر إلى ما تؤول إليه متابعتهم؛ يعتبر محمد عبدالنبوي أحد الأصوات التي تصدّت في السنوات الأخيرة للشكوى من إفراط النيابة العامة في ممارسة الاعتقال الاحتياطي في حق المغاربة. فهل سيعمد الرئيس الجديد للنيابة العامة على التخفيف من قبضة ال"مغرق" على الحريات، أم إن مخاوف المراقبين والحقوقيين ستصدق بعد تطبيق الاستقلال غير المراقب.