عادة لا تفاجئني قرارات السلطة بالمغرب وتحركاتها، سواء كانت سياسية أو قضائية أو ثقافية أو اقتصادية. قد تثير سخريتي، قد تؤلمني، إلا أنها لا تفاجئني البتة. هذه المرة، لم أتوقع، حتى في سيناريوهاتي الأكثر عبثية والأكثر تشاؤما، ما حدث. لست ضليعا في القانون، لكن ما أعرفه أن قضاة محاكم الاستئناف عادة ما يؤيدون أحكام قضاة المحاكم الابتدائية، أو يخففون من حدتها، ولو كان الطرف الذي لم يرضه الحكم الابتدائي وبادر إلى طلب الاستئناف هو النيابة العامة. كما أؤمن بأن القضاء الحق هو الذي يشتغل بروح القانون وليس بحروفه. هذا الأمر يفترض في القاضي أن يكون متمتعا بالبصيرة وبالاستقلال التام، وليس مجرد حافظ للنصوص يطبقها بشكل عمودي.. مجرد منصت إلى هاتفه.. مجرد تابع يسير وفقا لاتجاه تلك الرياح التي تهب من تلك الجهات الغامضة حد الوضوح. هذا الأمر يقتضي من القاضي التحلي بقدرة كبيرة على التمييز تجعله يزن خيارات الأحكام المطروحة أمامه ببيض النمل، كما قال لينين مرة، لأن أي حكم يصدره سيكون له تأثير مصيري على حياة المحكوم عليه. كل هذا غاب عن محاكمة حميد المهدوي، صاحب موقع «بديل»، إذ يبدو كأن الرجل، الذي لا أتفق تماما مع تصوره لحرفة الصحافة، يتعرض لعملية «تنكيل» متعمدة، وأن المقصود بها ليس حميد، هذا الكائن المغربي بما له وما عليه، بل المقصود هو الجسم الصحافي برمته، الذي يقال له، من خلال حالة مدير موقع «بديل»، ألا يحشر أنفه كثيرا في بعض القضايا، وإلا سيتعرض للتنكيل، سواء بزرواطة السلطات الأمنية أو بسيف القضاء، الذي يتحول من وسيلة للقصاص من المذنبين في حق المجتمع وكائناته، إلى أداة لعقاب كل من تجاسر واشرأب بعنقه ليرى ما لا يجب أن يراه. إن رفع الحكم الابتدائي، الذي صدر في حق المهدوي (ثلاثة أشهر نافذة)، بأربعة أضعافه خلال مرحلة الاستئناف، يحمل، في تقديري، رسالة واحدة فقط: من الأفضل لكم، يا من تورطتم في هذه الحرفة المسماة «الصحافة»، ألا تقتربوا كثيرا من بعض القضايا، ومن المستحسن أن تشيحوا بوجوهكم عنها، ولا تتداولوا سوى تلك الملفات الملساء الناعمة التي لا شوك فيها. ولكنها رسالة تخطئ زمنها، فإيصال المعلومة والخبر لم يعد يقتصر على ممتهن حرفة الصحافة، بل بات في متناول كل شخص أن يفضح كل شيء وأي شيء. تكفيه نقرة على شاشة هاتفه ليصور ما يشاء، ونقرة أخرى ليجعل ما كشفه في متناول عيون وآذان كل المتجولين في العالم الافتراضي.