يثير الخطاب الذي يلقيه ناصر الزفزافي من منصات المسيرات والتظاهرات إعجاب أنصاره، في الوقت الذي يوجه إليه آخرون، بينهم خصوم له، انتقادات واسعة، تصدر عن نشطاء وسياسيين محليين، وعن حقوقيين كذلك. من خلال إطلالة صغيرة على محتويات الفيديوهات التي توثق كلماته في الحشود، يظهر بوضوح قدرة واضحة على الخطابة، وإثارة مشاعر الحشود التي تحج إلى المسيرات والتظاهرات التي تدعو إليها قيادة الحراك. يمزج بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية، وفي الوقت نفسه يوجّه الخطاب مرتين؛ الأول إلى أنصاره من أبناء الريف الناطقين بالريفية، والثاني إلى المسؤولين وإلى متتبعي حركته في المدن المغربية الأخرى، وفي الخارج كذلك. وسيم بنعمر، مجاز عاطل عن العمل وعضو اللجنة التنظيمية التي أشرفت على مسيرة يوم الخميس، يرى فيه «ولد الشعب»، برز خلال الاحتجاجات التي اندلعت عقب مقتل محسن فكري. «يومها تحدث ناشطون وفاعلون كثيرون، لكن بين كل تلك الأصوات، برز صوت الزفزافي، كان خطابا قويا لمس القلوب بشكل أفضل من غيره». إلى جانب تنوع اللغة وبساطتها، يستعمل الزفزافي خطابا دينيا يحيل على الآيات القرآنية والأمثال الأمازيغية، ويذكر في الوقت نفسه برموز الريف ممن يحتلون مكانة سامية في وجدان السكان المحليين، خصوصا عبد الكريم الخطابي. وفي الآونة الأخيرة، بات يحرص على ترديد القسم الذي يركز على الاستعداد للتضحية بالنفس من أجل «الشعب الريفي»، وعدم خيانة الأهداف. لكن، بقدر ما تثير قدرة الزفزافي على المزج في خطاباته بين أبعاد أمازيغية وقومية ودينية الإعجاب، يثير خطابه الانتقاد بسبب حدته في النقد، وما يعتبره فاعلون «تطاولا على المؤسسات، التي يستعديها عليه دون أن يكون مضطرا إلى ذلك». نبيل الأندلسي، برلماني حزب العدالة والتنمية بالإقليم، يعتبر أن «المطالب المرفوعة عادلة ومشروعة، ولا تتجاوز الجيل الأول أو الثاني لحقوق الإنسان. لكن ما أختلف بشأنه مع شباب الحراك هو الخطاب». وتابع، في لقاء مع «أخبار اليوم» وسط المدينة: «هناك حدة في الخطاب لا مبرّر لها، تجعل البعض يتساءل حول غياب التناسب بين المطالب المرفوعة، التي هي عادلة ومشروعة، وبين الخطاب المستعمل، لأن هذا الأمر يخلق غموضا لدى بعض الجهات». الحدة في الخطاب تجاه من يصنفهم الزفزافي خصوما له، تكررت بوضوح في مسيرة يوم الخميس الماضي، حيث استعمل عبارات قد تبدو قاسية مثل وصف مسؤولين ب«مجموعة بلطجية»، وتوجيه اتهامات بوجود تصفية للحسابات بين أفراد في المحيط الملكي. وفي موقع آخر، قال الزفزافي، في تصريح للصحافة قبيل بدء المسيرة، إنه «لا يطلب الحوار مع هذه الحكومة»، وهو ما يثير التباسا، حيث تؤكد بيانات لجنة الإعلام والتواصل رغبة قيادة الحراك في الحوار، وفي الوقت نفسه يعلن الزفزافي أنه لا يريد محاورة الحكومة. لكن لا تقتصر انتقادات الزفزافي «الحادة» على الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، بل تصل أحيانا إلى من كانوا نشطاء في الحراك كذلك، وتراجعوا بسبب خلافات. أحد هؤلاء مرتضى إعمراشا، الذي اتهم ب«العمالة للمخزن»، أو شاكر المخروط الذي يُنتقد لأن «شقيقا له حصل على رخصة النقل بتعليمات ملكية». وعبّر إعمراشا صراحة عن غضبه من «الاتهامات والإساءات» التي يكيلها ناصر الزفزافي إلى كل من يختلف معه، وقال: «لا مشكلة لدي في أن ينتقد الزفزافي بحدة الأحزاب والجمعيات، أو حتى الحكومة وباقي المؤسسات، لكن يسوؤني جدا استهداف أشخاص شاركوا في الحراك فقط لأنهم عبروا عن اختلافهم معه». وقد خلّفت «حدة» الزفزافي موجة انتقادات موازية، وصلت إلى حدّ نعته بالجنون. تتناقل فئات واسعة أن الزفزافي «تقدم للسلطة من أجل الحصول على جواز سفر، وطلب ‘‘فيزا'' من القنصلية الإسبانية، لكن هذه الأخيرة رفضت»، وهي معلومات انتشرت على نطاق واسع. وأكد وسيم بنعمر، مجاز عاطل عن العمل وعضو اللجنة التنظيمية التي أشرفت على تنظيم مسيرة يوم الخميس، صحة خبر حصول الزفزافي قبل نحو شهرين على جواز السفر، لكنه نفى بشدة أن يكون قد تقدم للحصول على «فيزا» من القنصلية الإسبانية، وقال ل«أخبار اليوم»: «هذه إشاعة يروّجها أعداء الحراك بهدف القضاء عليه». يتزايد التركيز وتسليط الأضواء على الزفزافي، تدريجيا، سواء من قبل أنصاره الذين باتوا يلقبونه ب«القائد» و«الزعيم»، ويرون فيه صورة أخرى لنماذج من شخصيات ريفية لها ثقل في سيكولوجية سكان الريف، أمثال عبد الكريم الخطابي والحاج سلام أمزيان، أو من قبل خصومه الذين يرون فيه نقطة ضعف أكيدة في الحراك، وإن اعترفوا بقدرته على التعبئة والحشد.