لا شك أن وزير التربية والتعليم الجديد، محمد حصّاد، سيصطدم وهو يقتحم قطاعا حساسا وحاسما في تحديد وجهة البلاد في المستقبل، بمتاريس وحواجز صدّ عديدة ومواقف عنيدة ورؤى مشتتة وصعوبات كبيرة، في توحيد أكبر عدد من الفاعلين حول المشروع الذي أتى لتنزيله، أو ذاك الذي يريد رسم معالمه. أحيانا سيكون الوزير على صواب في خطواته، وفي أحايين أخرى سيكون على خطأ. في مرات ستجري التعبئة ضد اختياراته، عن حق، وفي مرات عن باطل. لكن عموما، سيجد نفسه، سواء جاء لتنزيل رؤية أحادية للإصلاح مفروضة ستنضم بعد سنين قليلة إلى أخواتها الفاشلات، أو جاء من أجل ضبط قطاع "يعيش فوضى كبيرة" والنهوض بمخرجاته، (سيجد نفسه) أمام فسيفاء من المشاكل والأعطاب والخطابات والتحليلات التي تنقصها الدقة ويغلب عليها التلذذ بالكلمات والأوصاف والمرادفات والتكرار.. وحتى لا أتناقض مع نفسي وأمضي في كلام لا يقل تعميما وتنظيرا، أطلب من السيد الوزير علاج عطب واحد دقيق، صغير جدا إذا ما قورن بشلالات الخطابات الحماسية، خطير إذا تفكّر المرء في أثره بصدق وحس مسؤولية. كيف يُعقل يا سعادة الوزير أن يقدم أستاذ دروسا للمراجعة خارج القسم، لتلاميذه، وفي مادته نفسها، من أجل رفع تحصيلهم فيها، أي نصيبهم من النقاط التي يضعها بنفسه على ورقة الامتحان ويدخلها في برنامج "مسار"؟ كيف يُعقل أن يكون الأستاذ، طرفا وقاضيا في قضية يتحمل فيها المسؤولية، أي تدني تحصيل التلاميذ في مادته، وكيف يستقيم أن يقدم لهم دروس دعم وتقوية يتلقى عنها عائدا ماديا يصرّفه إلى معدلات مرتفعة وتسهيلات واختبارات، تكاد تكون نسخة طبق الأصل من تمارين "المراجعة"، وكل ذلك في إطار اتفاق ضمني بين آباء وأساتذة مقتضاه "المال مقابل النقاط". إنها علاقة غير مسبوقة من الشراكة "خاص – عام" ينشئها الأستاذ ويتلقى بفضلها المال من جانبين على ما يفترض أن يتلقى منه المال من مصدر واحد. وأحيانا يصير التلميذ مجبرا على التسجيل ب"المراجعة" وإن كان متفوقا، وإلا انتقم منه الأستاذ عبر خفض النقطة الخاصة بالمشاركة الشفوية التي تبقى من تقديره. هذا "تبزنيس" غير أخلاقي يجب أن يتوقف. هذه تجارة تفتك بآداب مهنة التربية والتعليم. ليست كافة دروس التقوية سيئة، وإن كان فيها نظر، لكن في هذه الحالة بالضبط حيث يجمع الأستاذ نفسُه بين قبعتين، قبعة مقدم دروس الدعم، وقبعة من يُقيّم نتيجة هذا الدعم، الذي هو صاحبه أصلا في نتائج التلاميذ، فواقع التنافي والتعارض الأخلاقي واضح لا غبار عليه. هؤلاء الأساتذة لا يشترون شققا وفيلات لتقديم دروس المراجعة، في الغالب يلتحقون بمراكز اللغات المنتشرة كالفطر، أو يفتحون صالونات منازلهم لذلك ويطلبون من التلاميذ الالتحاق بهم، ولن يجد السيد حصّاد القادم من الداخلية صعوبات كثيرة في حصر وضبط هذه العينة بالذات من محترفي المراجعة. أتذكر أستاذا للاجتماعيات، على عهدنا، وصل به الأمر إلى تقديم دروس بالتقسيط لتلاميذه الفقراء، وهذه قصة حقيقية لها شهودها: ربع ساعة من المراجعة 10 دراهم، نصف ساعة 20 درهما، ساعة 40 درهما، تمضي لحال سبيلك بعد استنفاذ "بطاقة التعبئة" التي اخترتها، والتسعيرة تعلو وتخبو حسب الدرس ومدى استغلاقه على الفهم. مع ذلك، لا أدعو إلى إصلاح جذري يوقف هذا الريع التعليمي بيد من حديد بشكل صدامي. لماذا؟ لأن مداخيل هذه الدروس صارت جزءا من الميزانية الأسرية لمحترفيها، وأي مساس بها سيفجر حالات رفض متطرفة واحتقانا وأزمات أسرية وفردية وتشنجات. الحل الذي أقترحه هو رفع الميزانية المخصصة لساعات الدعم المدرسي، أي تلك التي يتلقى الأستاذ أجرها من الوزارة، وتحتسب على أساس الساعات، وليس "الرؤوس"، ورفع أجرها إلى مستوى مجزٍ ما أمكن، ثم صرفه بانتظام ودون تأخر أو بيروقراطية، وفق نظام توزيع منصف بين الأساتذة في كل مادة. ووضع حد للتكسّب بالتعليم.