اعتبر معهد "بروكينغز" الأمريكي أن حزب العدالة والتنمية التحق بركب أحزاب المعارضة المدجنة في المشهد السياسي بالمغرب، بعد قبوله الاستمرار في الحكومة والتخلي عن الشروط التي كان يضعها في السابق للمشاركة فيها. وذهب المعهد، في مقال تحليلي حول التطورات السياسية الحالية بالمغرب، إلى أن استمرار القصر في نهج التدجين السياسي بدلا عن الدمقرطة الفعلية للبلاد التي وعد بها بعد الانتفاضات العربية ل2011، يمكن أن ينعكس سلبا على الملكية ذاتها. "فحتى لو تم تدجين العدالة والتنمية بنجاح، من الممكن أن تتطور أشكال جذرية للمعارضة". وأشار إلى أن ما يجري بين القصر والإسلاميين لا يجري في فراغ، وإنما تحكمه سياقات إقليمية يسعى فيها المغرب إلى الحفاظ على سمعته باعتباره "قصة نجاح" سياسي داخل منطقة متقلبة الأوضاع، مبرزا أن المغرب – الحريص على الحفاظ على هذه السمعة – اضطر إلى تلافي الاتجاه نحو النموذجين التركي والمصري، والدفع أكثر باتجاه ديمقراطية الواجهة. "لذا جاء التدخل في لبوس الاستناد إلى الصلاحيات الدستورية، ولم يسرق فوز العدالة والتنمية بطريقة مباشرة". المعهد اعتبر أن استمرار القصر في تقليص سلطات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات المعارضة مثل العدل والإحسان، يهدد الإنجازات المتواضعة التي حققها بعد الربيع العربي. "أما إذا صحت الشائعات بخصوص تعديل الدستور، فذلك سيعني انتكاسة حقيقية للمغرب". وبالنسبة إلى المعهد البحثي، فقد حاول القصر والإعلام، إبان المرحلة التي عرفت بأزمة "البلوكاج" الحكومي بالمغرب، إعطاء الانطباع بأن ملك المغرب حكمٌ محايد، متعال عن الصراعات السياسية، غير أن الدور المهمين لأخنوش في عرقلة مسار تشكيل أغلبية حكومية وحربه مع بنكيران أكدت إلى أي حد لا يزال القصر "سيد اللعبة السياسية". وذهب المركز إلى أنه بالرغم من الهزة القوية التي خلفتها هذه التطورات داخل حزب العدالة والتنمية، فقد صار الحزب حزبا معارضا مدجنا، حصل معه ما حصل مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عقب حكومة التناوب التوافقي. وحسب التحليل ذاته، فقد نجحت المقاربة التدخلية للقصر قبل وبعد انتخابات أكتوبر 2016 التشريعية، في تقليص تأثير العدالة والتنمية مقابل تقوّية حزب التجمع الوطني للأحرار الموالي للملك، والمشكل من تقنوقراطيي القصر، كما أبانت عن عدم اكتراث بالمؤسسات الديمقراطية وبأي مستوى من التقاسم الحقيقي للسلطة بين الملك والأحزاب السياسية. "في المحصلة الحكومة الحالية لا تعبر عن الإرادة الشعبية للمواطنين المغاربة، وتبقى تحت الهيمنة الكبيرة لحزب مكون من تقنوقراطيي القصر، وهو أمر تعرفه البلاد جيدا". وتوقع المعهد أن تقود هذه الحالة السياسية إلى بروز معارضة أقوى من خارج النظام أو إلى انشقاق حزب العدالة والتنمية، معتبرا أن ما سيحدد مسار هذه الاحتمالات يبقى مرتبطا بالزخم الحقيقي لتظاهرات 2011 وبالشعبية الحقيقية لحزب المصباح. وأوضح المعهد، بالنسبة إلى الحالة الأولى، أي بروز معارضة أقوى من خارج النظام، أن شرعية حركات المعارضة الجذرية مثل العدل والإحسان مرشحة للارتفاع في أعين كثير من المغاربة، مقابل تراجع ثقتهم بالمسار الانتخابي. أما فيما يخص إمكان انشقاق ال"بي. جي. دي"، فأشار المركز البحثي إلى أن ذلك يمكن أن يحدث إذا قرر بنكيران قيادة تيار أكثر راديكالية داخل الحزب في السنوات المقبلة. "فحتى إن كان بنكيران قد قبل قرار إعفائه، لازال بإمكانه إثارة مسألة التدخل (في تشكيل الحكومة) لتوحيد صفوف مسانديه وقيادتهم نحو وجهة جديدة". وهذه الإمكانية، في نظر المعهد، هي التي تفسر الإشاعات التي تم إطلاقها بخصوص احتمال تعيين بنكيران مستشارا ملكيا، وما تلاها من محاولات تسعى إلى تخفيف وطأة أي تهديد قد يمثله الأمين العام لل"بي. جي. دي".