في خضم كل هذا الكم من الأخبار والتعاليق والأحاديث على أرصفة المقاهي وطاولت المطاعم و"كونتوارات" البارات حول التشكيلة الحكومية المخيبة للآمال، تسللت إلينا صورة "إيديا" بابتسامتها المترعة بعذوبة الطفولة، لترى فيها هذه البلاد انعكاسا لصورتها البشعة التي تحاول إخفاءها بشيء يحاول أن يكون له شبه، ولو شاحبا، بالممارسة الديمقراطية الحقة. "إيديا"، هذه الطفلة التي لم تعرف أن قدرها أراد لها أن ترى النور هناك في ذلك "المغرب غير النافع"، تم وأدها ووأد حقها في الحياة فقط، لأنه لم يتم كشف نزيف دماغي بسبب غياب "السكانير" في تنغير، وفي الراشيدية، لتلفظ أنفاسها في المستشفى الجامعي لفاس بعد قطعها لمئات الكيلومترات على متن سيارة إسعاف لا تصلح ربما حتى لنقل الدواب. "إيديا"، هذه الطفلة التي لم تدر قط بكل نقاشاتنا الكبيرة والفارغة، رحلت عن حياة بالكد خطت فيها لأنها ولدت في بلد مازال لا يقيم الوزن اللائق لأهله، رغم كل ما يظهر في الواجهة الزجاجية من "عصرنة" سطحية في كل شيء: البشر والبنايات، وحتى المؤسسات. "إيديا"، هذه الطفلة التي لم تكن تعرف من هذا العالم سوى حضن أبويها وربما عتبة باب بيتهم، تصرخ في وجهنا بابتسامتها تلك وتقول لهذه البلاد: إنكم لم تفلحوا بعد يا بلاد، ويا أيها القائمون على شؤونها، في ضمان الأولويات لمعظم أهلها، وأول هذه الأولويات حقهم في الحياة، ثم حقهم في حياة بها الحدود الدنيا من الكرامة الإنسانية. "إيديا"، هذه الطفلة التي ستظل تُعاتبنا جميعا بابتسامتها إلى نهاية الزمن، تقول للقائمين على شؤون هذه البلاد، عار عليكم أن يموت الأطفال في بلدكم في القرن 21 وبسبب تافه مثل غياب "السكانير". "إيديا"، هذه الطفلة التي رحلت عنا لتذكرنا (وهل نسينا حقا؟) بأن الأوضاع الصحية للطفولة بالمغرب مازالت تغلب عليها الهشاشة، وأن المغرب من بين البلدان التي مازالت فيها وفيات الأطفال دون الخامسة مرتفعة، رغم تراجعها في العقد الأخير. "إيديا"، هذه الطفلة تركت لنا ابتسامتها أمانة علينا الحفاظ عليها بالعمل على عدم تكرار مأساتها، تقول لنا جميعا إن هذا المغرب لن يتغير نحو الأفضل حقا، مادام لم يول كل العناية الممكنة لأطفاله (من صحة وتعليم وتكوين جيدين… إلخ)، وفي كل مناطقه وجهاته ومدنه وقراه، لأنهم بكل بساطة هم من سيصنعون هذا التغيير.