مواجهة جديدة بين الأطباء ووزير الصحة الحسين الوردي حول فتح مجال المصحات أمام الخواص كان مجلس المستشارين مسرحا لها أمس شهد مجلس المستشارين مناظرة قوية بين الحسين الوردي، وزير الصحة، وعدد من جمعيات وهيئات الأطباء على خلفية مشروع القانون الجديد المنظم لمهنة الطب، والذي يكسر هيمنة الأطباء بخصوص الاستثمار في القطاع ويفتحه لأول مرة أمام رجال الأعمال. وزير الصحة الحسين الوردي، دافع عن مشروع القانون وعن سياسته، مشيرا إلى أنه سبق أن أصدر قرارات لم تحظ بالإجماع، كما هو الأمر بالنسبة لقرار تخفيض أسعار 1120 دواءً، أو منع الأطباء العاملين في القطاع العام من العمل في القطاع الخاص، ولم يتراجع عنها رغم معارضة بعض الفئات لها. وأكد الوردي تشبثه بمشروع القانون مؤكدا أنه «سيكرس الجودة والشفافية»، و»سيحسن من الخدمات الطبية على الصعيد الوطني». الوردي أوضح أن فتح قطاع الصحة أمام استثمارات رجال الأعمال من شأنه أن «يوفر فرص الشغل» للخريجين من كليات الطب ومعاهد التمريض. كما من شأنه أن «يكرس التنافسية»، بحيث إن تعدد المصحات سيؤدي إلى خفض كلفة التطبيب أمام المواطنين. كما من شأنه أن «يكرس الشفافية»، لأن مشروع القانون يلزم المصحات الخاصة أن تعلن عن الأطباء العاملين لديها، وإشهار الأثمنة، وانخراطها في التغطية الصحية أم لا. هناك إيجابية أخرى يقول الوزير تتعلق «بالجاذبية»، بحيث إن فتح القطاع أمام المستثمرين من شأنه أن يمكن المغرب من التوفر على مركبات صحية قادرة على جذب المغاربة الذين يذهبون إلى الخارج للاستشفاء، وأيضا جذب المرضى من خارج المغرب خاصة من الدول الإفريقية. لكن فتح القطاع أمام رجال الأعمال «لن يكون على حساب استقلالية القرار الطبي»، يقول الوزير الوردي، الذي أوضح أن أصحاب الأموال ستقتصر مهامهم على توفير الإمكانيات من أجل البناء والتجهيز، في حين أن القرار الصحي سيكون مقتصرا على الطاقم الطبي داخل المصحات الخاصة حصرا. وأكد الوردي أن هذا التوجه تعمل به أزيد من 68 في المئة من دول العالم، منها دول عربية مثل تونس ومصر والأردن والإمارات. لكن الوزير وجد نفسه أمام معارضة قوية من قبل مهنيين في القطاع الخاص، الذين يعارضون القانون لأنه يتجه «نحو خوصصة القطاع بالكامل»، وبالتالي، «فتحه أمام المضاربة والتجارة»، بينما هو قطاع حساس لأنه يتعلق بصحة المواطنين، التي قد تصبح مع إقرار هذا القانون «خاضعا لمنطق السوق والسمسرة»، وهذا «سيضر بالطابع الإنساني للمهنة». وفي حال إقرار مشروع القانون كذلك، فإن «الأطباء سيصبحون مستخدمين مع القطاع الخاص»، وهو ما يفتح الباب أمام هذه الشركات «لاستيراد أطباء من الخارج»، لكن الوزير الوردي قال إن مشروع القانون يضع شروطا على استيراد مهنيين من الخارج، وهي الشروط نفسها التي كانت متضمنة في القوانين المعمول بها لحد الآن. إنشاء الشركات ورجال الأعمال لمصحات ومركبات صحية، يخول لصاحب الشركة أن يترأس المجلس الإداري طبقا لمشروع القانون، وهذا الأخير هو الذي يسطر سياسة وتوجهات المصحة، وهي سياسة سيرسمها صاحب المصحة وليس العاملين فيها بمن فيهم الأطباء. محمد بناني الناصري، رئيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الصحة، قال إن المستثمر سيضع السياسة التي سيربح من ورائها، بل زعم أن أي مستثمر لن يبني أو يجهز مصحة خاصة، بل سيتوجه إلى شراء المصحات الجاهزة في الدارالبيضاء والرباط. ما يهم المستثمر سواء أكان مغربيا أو أجنبيا هو الربح، وبالتالي، سيُقصي كل المواطنين الذين لا يتوفرون على تغطية صحية، يقول بناني الناصري، الذي أبرز أن موقف المهنيين يعتبر أن فتح القطاع أمام المستثمرين سيؤدي في النهاية إلى الامتثال لمنطق السوق، الذي سيكون ضحيته المواطن البسيط. هناك مشكل كبير أيضاً، يتمثل في تمركز المصحات والعرض الصحي الخاص في المدن الكبرى، وبخاصة الدارالبيضاء والرباط، ويعتبر المعارضون أن القانون لن يحل هذه المشكلة. لكن الوزير رد على ذلك بالقول إن الاستثمارات التي سيستقطبها القطاع الصحي ستوجه نحو المناطق التي بها خصاص، مشيرا إلى أن 59 في المئة من التراب الوطني لا تتوفر على مصحات خاصة. وكشف أن ثمة خريطة صحية تعدها الوزارة بناء عليها سيتم توجيه الاستثمارات. أما عن مستقبل القطاع العام، فإن الدولة لن تتخلى عنه، بل ستستمر في النهوض به، لأن من إحدى وظائفها الدستورية، ضمان حق الصحة للمواطنين. مؤكدا أن الدولة تعمل على تعميم التغطية الصحية على المواطنين من خلال نظام «راميد».