"نحن في فرنسا سيدتي.." جرعة أمل وثقة في البلد حيث هي، عندما حقنت عاملة المنزل المغربية بها، توجهت نحو قنصل المغرب في أورلي، مليكة العلوي، وبكل ما فقدته أو سلب منها من جرأة طيلة سنوات، صرخت في وجهها "الشرطة أو الانتحار". حكاية عاملة المنزل كما روتها، وعبارة الفرنسي في وجه ممثلة الدبلوماسية المغربية بالمدينة الفرنسية، أعادت للمغاربة، وإن اختلفت الوقائع، ما حدث مع سعد لمجرد. ما إن اعتقل، بتهمة "تعنيف شابة فرنسية ومحاولة ممارسة الجنس معها بالعنف"، حتى أمطر سكان مواقع التواصل الاجتماعي، روابط الأخبار عنه بعبارة "أنت في فرنسا.. قضاؤها لن يرحمك إن تبُت تورطك". تعاليق يمر عليها المسؤولون عندنا مرور "الكرام"، في المقابل، يجعل منها العارفون بقيمتها، مادة خام لصياغة التقارير، وركنها داخل الرفوف، للاستعانة بها عند الحاجة. المسؤولون عندهم يعرفون جيداً قيمة ما يروج عنهم ولا يتركون الصغيرة قبل الكبيرة تمر دون وضعها في ميزان ما قد تصنعه لمستقبلهم. لكن "أشقاءهم" هنا، عندنا، لهم رأي آخر، يكرسونه، أدمنوه، جعلوا منهم أسلوب حياة تشاء أن تنهل منه لتجرب "حلاوة" شعار: "وماذا بعد؟" هنا. أحاول أن أتقمص ما من مرة، شخصية القاضي الذي يعالج ملفات الضحايا، وأضع اعتراف أعلى سلطة عبر تقريرها الأخير، الذي يفيد أن 6 آلاف مغربي لا ذنب لهم يقضون ما تيسر من سنوات الحبس خلف زنازينهم. دون التنقيب عن رقم الذين يجب أن يكونوا خلفها، لكن تشاء "الأقدار" أن يخرجوا لتشييع جنازة قريب لهم، ولا يعودون. واللبيب بالإشارة يفهم. أن أتقمص دور من يسيرون يوميات عيش المغاربة، وتفاصيل حاضرهم ومستقبلهم. يصدرون التقارير سنوياً، يعترفون من خللها أن وراء الجدران يعاني عبيد اليوم، نعم عبيد كما يعاملون، خارجه من يساقون للاستغلال، دون أن يطال من يذيقونهم مرارة العيش المساءلة وذلك "أضعف الإيمان". أن أجول بين ردهات المحاكم، أتابع أحكام الحبس المخففة في حق مغتصبي الصغار والكبار. أن أسمع رواية قريب سيدة انتحرت، بعدما قصدت مخفر الشرطة للتبليغ عن تعامل فج من قبل سائق سيارة أجرة صغيرة، لتجد نفسها بالصدفة تساق رفقة العشرات من عاملات الجنس، وتحاكم ب"جرم" لم تقترفه، تقضي بموجبه ستة أشهر داخل السجن، ثم تخرج سليبة "الكرامة" والأسرة، لتقرر وضع حد لحياتها دون أن تنتظر الانصاف من أحدهم. أن أسمع قصص التعنيف والاحتجاز، وأساهم معهم في جوقة عزف لحن التطبيع معها، وإن اشتد الخناق علينا معاً، نصرخ في وجهكم جميعاً دون خجل: "لسنا وحدنا جميع بلدان العالم مثلنا!" أحاول جاهداً، أن أملك شجاعة القنصل المساعد للمغرب بتونس، وتجرده من حق انتماء واحد من أبناء وطنه لتراب الأخير، وهو يوقع إذناً اليوم الثلاثاء 14 مارس، يسمح فيه بدفن مغربي مقيم في ليبيا (ز ع)، توفي جراء حروق من الدرجة الثانية والثالثة، ولم تجد أسرته من يتحمل دفع سعر تذكرة نقل جثمان الهالك، لتحتضنه أرض وطنه، وتجد عائلة الراحل العزاء في زيارة قبره كل ما حلت "ذكرى" عاشوراء ويوم ال27 من شهر رمضان. أشاء أن أسرق بعضاً من صبر أيوب لدى عائلات وأصدقاء الذين فقدوا أو ظلموا أو شردوا يوماً، وهم ينتظرون تحقيقات تفتح لتقبر… أحسد كل هؤلاء الذين تصدر في حقهم تقارير الإدانة باقتراف الجرم في حق الوطن وأبنائه، من اختلاسات وخيانة للأمنة وتسلط وقمع وضرب تحت الحزام وفوقه انتقاما من مواقف معارضيهم. تقارير تفوح منها، بل تلمس من خلالها بالحجة والدليل، كل شروط الإدانة، لكن الذين أحسدهم يصدرون مع كل حرف ينشر موجات ضحك هستيرية عن من صاغ "صك إدانتهم"، ومن صدق أن الأخير قد يجردهم من أموال وممتلكات غنموها دون وجه حق، ويقودهم نحو خلوة السجن للتمرن على إعادة التفكير ألف مرة قبل مد اليد داخل جيب الوطن وعلى جسد أبنائه ظلماً وتجبراً. واقعة عاملة المنزل المغربية لدى القنصل المغربية، تلخص حكاية أي رقعة يجب أن تولد أو توجد فوقها لانتزاع حقك دون أن يكون لك حظٌ من الألقاب. لو كان الحدث معكوساً. من يقف خلف الهاتف المحمول وهو يوثق ما نقل مغربياً، وفي الجهة الأخرى أجنبي، ولما لا مغربي، لهما نفس لون جواز السفر، أو يملكان معا لقباً ترن الهواتف لأجله، مع اختلاف الحيز الجغرافي حيث حدث كل هذا، لسمعنا صدى العبارة وإن سراً دون جهر بها: "نحن في المغرب سيدي…"