يستطيع المراقب أن يشير إلى خطأين تكتيكيين في الإعلام المصاحب لصعود نجم المشير عبدالفتاح السيسي. الخطأ الأول هو اللقب غير الرسمي للرجل، الذي صار اليوم «أسد مصر». لا شك أن العبارة جاءت من منظومة إحدى خطب السيسي حين قال إن الأسد لا يأكل أولاده. لكن تحويل الرجل إلى أسد مصر يثير السؤال. هل نبدأ بأسد مصر كي ننتهي بمصر الأسد، على غرار سوريا الأسد، أم أن المسألة لا يجب أن تأخذ هذا الحجم، إذ لا علاقة بين الوضعين المصري والسوري على هذا الصعيد. الأرجح أننا أمام مجرد خطإ مطبعي، قد يكون من بنات أفكار الأستاذ هيكل، الذي لم يخف يوما إعجابه بالأسدين: الأب والإبن. الخطأ الثاني هو لقب المشير. عبدالناصر كان مجرد بكباشي، وأنور السادات لم يصعد السلم العسكري. قادة ثورة 23 يوليوز كانوا من صغار ضباط الجيش المصري الذين قفزوا إلى السلطة باسم الشعب، ولم يكونوا من ذوي الرتب العسكرية العالية. الرئيس الوحيد الذي كان جنرالا هو حسني مبارك، وقد انتهت رئاسته بطريقة لا تغري أحدا بتكرارها. في هذا السياق، تأتي رتبة المشير التي منحها الرئيس المؤقت عدلي منصور للسيسي. وعلى الرغم من تعدد الأسماء التي حظيت بهذه الرتبة العسكرية، فإن المشير الوحيد الذي علق في ذاكرتنا هو عبدالحكيم عامر، الذي التصقت باسمه هزيمة العرب الكبرى في يونيو 1967. هذان الخطآن الإعلاميان يشيران إلى أن حلم الحالمين بأن يكون السيسي عبدالناصر الجديد معرض للإجهاض. أو أنه صعب المنال، أو أنه يحتاج إلى لغة مختلفة، على الأقل. أو، وهذه هي المسألة، يحتاج إلى ظرف تاريخي مختلف (...) عبدالفتاح السيسي سوف ينتخب رئيسا بصفته ممثلا للمؤسسة العسكرية، وليس نتيجة ثورة داخل هذه المؤسسة. أي أن الجمهورية المصرية الثانية سوف تكون جمهورية الجيش الذي يحتل السياسة نتيجة فراغ الحياة السياسية المصرية وخواء الأحزاب، وعدم قدرة شباب ثورة 25 يناير على الإنتقال من ميدان التحرير إلى ساحة العمل السياسي المنظم. انتخاب السيسي هو تعبير عن أزمة السياسة في مصر وليس محاولة لحل هذه الأزمة. ولعل النداء الساخر الذي وجهه أحمد ماهر، أحد قادة حركة 6 أبريل، من سجنه في «ليمان طُره»، والذي دعا فيه إلى انتخاب السيسي، يشير إلى عمق الأزمة، «فبعد سقوط الفاشية الدينية التي جسدها الإخوان تصعد اليوم الفاشية العسكرية والاستبداد الذي سيأخذ مصر إلى احتراب أهلي وانهيار اقتصادي». بهذه الكلمات لخص ماهر الأزمة التي ستكون نتيجتها الحتمية وصول السيسي محمولا على أصوات الأكثرية الساحقة من المصريين الى الرئاسة (...) يأتي السيسي رئيسا بعدما تم تفكيك معنى تحالف 30 يونيو، البرادعي استقال، زياد بهاء الدين في حكم المستقيل، الشباب اختفوا، بعضهم في السجون وبعضهم الآخر في الهامش، ولم يبق سوى الجيش والشرطة وبعض الفلول. ومع ذلك، فالشعب يؤيد الجيش، والسيسي سيفوز بشكل ديموقراطي، وهذا يشير إلى أن الحياة لا تحتمل الفراغ، وإلى أن الدولة المصرية لا تزال، رغم هشاشتها، هي المرجعية الوحيدة لإنقاذ مصر من طاعون التفكك الذي يضرب المنطقة. الأزمة أيها الأصدقاء هي أزمتنا نحن، وحلها يبدأ عبر إعادة نظر جذرية في عمل القوى الديمقراطية وأشكالها التنظيمية وبرامجها السياسية. منذ سقوط مبارك لم يتبلور مشروع سياسي واحد، ولم تستطع ائتلافات شباب الثورة أن تنتقل إلى المبادرة الإيجابية. كما أن الأحزاب من البرادعي إلى الناصريين إلى الوفد بقيت خارج القدرة على المبادرة. لذا صار السيسي خيار من لا يملك خيارا. وهنا تصير مسؤولية الرجل باهظة. هل يمكن أن تبنى التجربة الديمقراطية من دون إعادة نظر جذرية في السياسات الاجتماعية للنظام؟ هل يمكن أن تستعيد مصر دورها العربي من خلال الدعم الخليجي؟ هل يمكن أن تبنى سياسة وطنية مصرية، وقيادة مصرية للعالم العربي في ظل كامب دايفيد؟ هل يمكن أن تبنى حياة ديمقراطية في نظام سياسي يهيمن عليه الجيش؟ هذه الأسئلة ليست موجهة إلى المشير، بل إلى القوى الثورية والديمقراطية المصرية. وهذه القوى، مطالبة بأن تبدأ في صوغ أجوبتها على شكل بنى فكرية وتنظيمية، لأنها مؤتمنة على استمرار ربيع العرب الذي جعلت منه منعطفات الدم في مصر وسوريا امتحانا لجدارة العرب بدخول التاريخ من جديد.