يقاتل في سوريا حاليا العشرات من المغاربة في صفوف الحركات الإسلامية المسلحة المتطرفة.. وتشكل عودة هؤلاء المقاتلين إلى المغرب بخبرتهم القتالية تحديا أمنيا كبيرا، فكيف ستتعامل معه السلطات؟ أحمد زكريا الباسوسي
على الرغم من نجاح المغرب في مواجهة موجة المد الثوري التي طالت العديد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010، إلا أنه تبدو على مشارف الدخول في معركة جديدة مع التنظيمات المسلحة في المنطقة، التي مثل انتشارها أحد تداعيات هذا المد الثوري، حيث تتزايد المخاوف مع بداية عودة المقاتلين المغاربة من سوريا، وما يمكن أن يفرضه ذلك من أخطار داهمة على الأمن الداخلي للمملكة الشريفة ، تزامنا مع تصاعد تهديدات بعض الحركات الجهادية القادمة من مالي، ليشكل ذلك في مجمله ما يمكن تسميته ب «القوس الجهادي» الذي قد يواجه المغرب دفعة واحدة.
خريطة الانتشار كان المغرب أحد مصادر إمداد الساحة السورية بالمقاتلين الإسلاميين الذين دعموا صفوف الحركات الإسلامية المتطرفة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة أجراها «المعهد البريطاني للدفاع» عن وجود ما يقرب من 200 مقاتل مغربي في سوريا، ومقتل 64 منهم منذ بداية المواجهات مع قوات الأسد. ويتركز المقاتلون المغاربة بشكل كبير في منطقة ريف اللاذقية، ويتخذ هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم «المجاهدون»، في طريقهم إلى سوريا، أحد مسارين: إما عن طريق تركيا، أو عبر بعض الدول الأوروبية خاصة إسبانيا، وبلجيكا، وفرنسا، ومدن شمال المغرب، لا سيما سبتة وتطوان وطنجة. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أن غالبية المقاتلين المغاربة الذين يتخذون المسلك الأوروبي إلى سوريا يحملون جنسيات أخرى بجانب الجنسية المغربية.
تحالفات متوقعة تمثل عودة المقاتلين من سوريا إشكالية كبيرة بالنسبة للمغرب، ليس فقط لاكتسابهم خبرة في استخدام الأسلحة خلال الصراع مع نظام الأسد، وإنما أيضًا لإمكانية قيامهم بعمليات مسلحة داخل البلاد، بالإضافة إلى تزايد احتمال دخولهم في تحالفات مع أطراف معينة لمواجهة النظام، يأتي في مقدمتها التيارات السلفية الجهادية، نظرًا لوجود تقارب إيديولوجي وفكري بين الطرفين، خاصة بعد قيام إبراهيم بنشقرون، أحد رموز السلفية الجهادية المغربية ، بتشكيل جماعة جهادية جديدة في سوريا تحت اسم «حركة شام الإسلام»، وعلى الرغم من أن هدفها الأساسي هو المشاركة في الصراع ضد نظام الأسد، إلا أن ثمة مؤشرات تدعم احتمال تحول هذا الكيان الجديد للعمل داخل المملكة المغربية فور سقوط نظام الأسد في سوريا، بكل ما يفرضه ذلك من تحديات لاستقرار المغرب. ومن المتوقع أيضًا حدوث درجة أكبر من التقارب بين العائدين من سوريا من جانب، والتنظيمات القاعدية العابرة للحدود والمنتشرة بكثافة في منطقة المغرب العربي من جانب آخر، خاصة مع وجود أرضية إيديولوجية جهادية مشتركة بينهم. في مقابل ذلك، يبدو من الصعوبة حدوث تحالف بين العائدين من سوريا والقوى السياسية التقليدية في المغرب، حتى مع وجود تباينات واسعة بين هذه الأخيرة والنظام. أما حزب العدالة والتنمية الإسلامي فيقود حاليا الائتلاف الحكومي بقيادة عبد الإله بنكيران؛ بما يعني أنه على وفاق نسبي مع النظام. وعلى الرغم من الخلاف القائم بين هذا الأخير وجماعة العدل والإحسان إلا أنها أعلنت عدم تبنيها النهج العنيف في الإصلاح، فضلا عن قيادتها التي تدرك أن التورط في أعمال العنف قد يؤدي إلى تقويض جهودها الدعوية، خاصة بعد تعثر تجربة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس، ومن ثم، فإن تورطها في قيام تحالف مع العائدين من سوريا يعد أمرًا مستبعدًا إلى حدٍّ كبير.
سيناريوهات محتملة في خضم حالة الاستقرار الهش الذي يعاني منه المغرب، يتأرجح نمط تعامل الدولة مع أخطار العائدين من سوريا بين ثلاث سيناريوهات رئيسية: - الأول، السيطرة الكاملة، من خلال إحكام قبضة الأجهزة الأمنية على البلاد عبر ضبط المناطق الحدودية للحيلولة دون عودة هؤلاء إلى المغرب، وتجفيف وتفكيك كافة مصادر الإمداد الداخلية بشكل كامل. إلا أن هذا المسار يواجه صعوبات عديدة، نظرًا لانتشار الشبكات القاعدية بشكل مكثف في دول الجوار، لا سيما الجزائر وموريتانيا، وغياب أطر التنسيق الثنائية أو الجماعية الفعالة بين تلك الدول، بسبب تراكم الخلافات السياسية فيما بينها. - الثاني: التحجيم الجزئي، عن طريق مراقبة المسارات المحتملة لعودة هذه العناصر إلى المغرب، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة السيطرة التامة، إذ ربما تنجح بعض هذه العناصر في التسلل إلى داخل المغرب، ولكن ذلك سيبقى في أدنى مستوياته، وهو ما سيسفر عن تحجيم آثار العودة إلى حد بعيد، ولعل هذا السيناريو هو المرجح في ظل الظروف الحالية التي يمر بها المغرب. - الثالث: الانفلات والانهيار الكامل، والذي يتحقق في حالة فشل الأجهزة المختصة أمام صد هذا الخطر، وسيطرة الجهاديين العائدين من سوريا، بالتعاون مع قوى السلفية الجهادية في الداخل المغربي والتنظيمات القاعدية في دول الجوار، على المغرب. ويعتبر هذا المسار الأكثر تشاؤمًا، والأبعد عن الواقع، خاصة مع إصرار الحكومة المغربية على القضاء على خطر المجاهدين العائدين من الخارج.
إجراءات متعددة تبنى المغرب سياسة جديدة لمواجهة الأخطار المحتملة للعائدين من سوريا، تعتمد على آليتين أساسيتين هما: 1 - التهديد بالاعتقال والملاحقة؛ فقد توعد امحند العنصر وزير الداخلية المغربي، في يوليوز الماضي، المقاتلين المغاربة، الذي انضموا لصفوف المعارضة السورية المسلحة، بالاعتقال والمحاكمة فور عودتهم للبلاد، وذلك استنادًا إلى وجود قانون لمكافحة الإرهاب في المغرب، والذي يطبق على كل من يذهب ويحمل السلاح، أو ينضم للميليشيات المسلحة، بهدف الحيلولة دون إعادة إنتاج ظاهرة «الأفغان العرب» مرة أخرى. 2 - تفكيك شبكات التجنيد؛ ففي يناير الماضي، قامت الأجهزة الأمنية المغربية، بالتعاون مع نظيرتها الإسبانية، بالقبض على خلية لتجنيد الشباب في مدينة سبتة، وهي خلية تابعة لتنظيم القاعدة تستهدف الشباب للجهاد في بلاد الشام، كما اكتشفت الأجهزة الأمنية في نوفمبر 2012، خلية لتجنيد المتطوعين المتوجهين إلى شمال مالي.