لا يفوت رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، رغم كثرة مشاغله ومواعيده، أي لقاء حزبي صغير أو كبير دون أن يحضره ويلقي فيه كلماته، ويبعث من خلاله رسائله إلى كل من يهمه الأمر، وهذا له ثلاثة تفسيرات في ما أظن. أولا: عبد الإله بنكيران بحسه التنظيمي لا يريد أن يرتكب خطأ عبد الرحمان اليوسفي، الذي فرط في آلة الحزب عندما ركب قطار الحكومة، حتى إن عقد الاتحاد الاشتراكي انفرط أكثر من مرة في فترة السنوات الخمس التي قضتها الوردة في قيادة تجربة التناوب التي فشلت في دمقرطة البلاد. بنكيران يعرف أن قوته كرئيس للحكومة نابعة من قوته كأمين عام للحزب الأكبر في المغرب، وهو يعرف أن داخل قواعد الحزب هناك من هو غير راضٍ عن حصيلة الحكومة ورئيسها، وأن الأنوية المعارضة إذ تركت لحالها فإنها ستتمدد مثل بقعة الزيت، وقد تؤثر على التوجه السياسي العام للحزب الذي يرسمه بنكيران كل يوم مع عبد الله بها في المكاتب المغلقة والإدارة الضيقة للملفات. بنكيران يعرف أنه لا توجد خطة ولا منهجية ولا تصور شامل للإصلاح العميق للدولة، ولا لوضع البلاد على سكة نهائية للديمقراطية، بل إن كل ما في جعبته وصفات جزئية يجربها، ونهج برغماتي يدير به الملفات يوما بعد آخر، في محاولة لكسب رهان التطبيع مع القصر أولا، وتقوية الحزب ثانيا، واكتساب الخبرة ثالثا. هل هذا سيقود الحزب نحو تزعم رحلة الدخول بالمغرب إلى نادي الدول الديمقراطية، أم فقط سيقتصر الأمر على إشراك المصباح في لعبة المشاركة.. لعبة لا تتغير قواعدها بتغير لاعبيها؟ هذا هو السؤال الذي لا يوجد جواب عنه في حزب العدالة والتنمية، ولكي لا يترك بنكيران المجال لآخرين ليقترحوا أجوبة أخرى، فإنه حاضر باستمرار في وسط الحياة الداخلية للحزب، ومالئ باستمرار مكانه، ومكان غيره من القادة، إنه لا يترك الفراغ، ولا يترك قواعده تفكر في أجوبة غير تلك التي يقدمها هو. ثانيا: بنكيران دائم الحضور في كل أنشطة الحزب لأنه يستعد لأم المعارك في 2015 و2016. أول أمس السبت أعلن في ملتقى لأطر الحزب بالرباط أنه يطمح إلى الفوز بالانتخابين الجماعي والتشريعي القادمين، وأن الأمر ممكن جداً، وأنه غير متخوف من المعارضة، لأنها معارضة معطوبة ولا تقدر على الوقوف أمام إصلاحاته. إنها حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهي مبنية على تكتيك «ماكر».. بنكيران يعرف أنه كرئيس حكومة لا يقدر على تنظيم انتخابات نظيفة مائة في المائة، لا من حيث القوانين ولا من حيث الإشراف ولا التقطيع ولا نمط الاقتراع... هو يعرف أن بعض حلفائه في الحكومة يتغذون على فساد الانتخابات، تماماً مثل بعض أحزاب المعارضة، وأن لعبة التوازن السياسي ترفض قوانينها قواعد الشفافية والنزاهة، ولهذا فما سيخسره في القوانين سيكسبه في التعبئة المستمرة لقواعد الحزب لكسب الانتخابات، وقوة الحضور في الميدان، ونجاعة التواصل مع الناخبين، لهذا سيكثف رئيس الحكومة من حضوره في الأشهر القادمة، وسيقوي من المدفعية الموجهة إلى شباط ولشكر والبام، الذي رجع يشهر به لكونه حزبا ولد بتشوهات خلقية، أي أن لا فائدة ترجى منه، أي أنه يقول للدولة: «لا تراهني على هذا الحزب. إنه معاق وقد سبق له أن خذلك في 20 فبراير عندما خرج الشباب إلى الشوارع، ففر حزب الجرار وأصبح على لائحة مختفون»... ثالثا: قوة حضور بنكيران في الحزب وأجهزته وتجمعاته ترجع إلى طموحه إلى قيادة ولاية ثانية على رأس الحكومة، ولاية يرى فيها بنكيران ثمار ما زرعه في الولاية الأولى، وهذا طموح مشروع، وموجود عند كل القادة والزعماء الذين يعرفون أن زمن الإصلاح أطول من زمن الولاية الحكومية الأولى، ولهذا يتطلعون إلى الولاية الثانية. بنكيران أمامه عائق تنظيمي وهو أن ولايته الثانية على رأس الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية تنتهي سنة 2016، أي سنة تنظيم الانتخابات التشريعية، وإذا كان لا ينوي تغيير القانون الداخلي للحزب، الذي لا يعطيه الحق في الاستمرار على رأس الحزب لولاية ثالثة، فإنه سيسعى إلى تأخير موعد عقد المؤتمر الثامن للحزب إلى أن تمر الانتخابات التشريعية سنة 2016، ثم سيسعى إلى كسب رهان فوز المصباح بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية وبرقم دال، حتى يرجع إلى رئاسة الحكومة في ولاية ثانية، وبعدها يترك رئاسة الحزب إلى من يخلفه بعد أن يكون قد ثبت رجليه في السلطة... ضمن هذا الإطار يمكن قراءة الحضور المواظب لبنكيران وسط الحزب وأجهزته بالشكل الذي يجعل منه الماسك بزمام القرار فيه، والزعيم الذي لا ينافسه أحد على الأضواء والكاميرات... سنرى هل هذا سيخدم الحزب أم سيضره؟