تحلّ اليوم الذكرى السنوية الرابعة لرحيل مؤسس جماعة العدل والإحسان، الشيخ عبد السلام ياسين، وتعود معها الأسئلة الكبرى المتعلّقة بالجماعة ومصير مشروعها السياسي، وعلاقتها بالنظام السياسي والمؤسسة الملكية. أربع سنوات مرّت دون أن تنجح الجماعة في التقدّم في تحقيق مشروع مؤسسها الراحل، أي عودة الخلافة على منهاج النبوة، على أساس ميثاق إسلامي يوحّد جلّ قوى المجتمع، ولا هي أنتجت مشروعا فكريا أو سياسيا جديدا يزحزحها عن حالة الانتظار والترقب التي تهيمن عليها. الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة التي شهدها المغرب يوم 7 أكتوبر، طرحت أسئلة جديدة على الجماعة، بعد نجاح حزب العدالة والتنمية، الأخ اللدود داخل الحركة الإسلامية المغربية، في الحفاظ على موقع الصدارة في المشهد الحزبي. «الذي تغير هو شخص المرشد بهيبته وجرأته، أما المشروع فلم يتغير»، يقول الباحث في الفكر الإسلامي، مصطفى بوكرن، مضيفا أن المستوى السياسي لدى الجماعة «عرف ثباتا في الموقف من النظام الملكي، فهو ظل بالنسبة إليها نظام حكم جبري، ومخزني، مستبد يسيطر على السلطة، ويهيمن على كل القرارات الاقتصادية والثقافية والخارجية والدينية والأمنية… ولذلك، فإن كلا من الدستور والحكومة والبرلمان هي ‘‘ديكور'' يجمل قبيح النظام»، فيما شدّد المؤرخ والحقوق المعطي منجب على أن الجماعة «تحتفظ بوحدتها التنظيمية وبزخمها على مستوى الفعل السياسي الداخلي وعلى مستوى الفضاء الاجتماعي الواسع الذي يحيط بها والذي يشكله المتعاطفون». منجب لم ينف العلاقة المباشرة بين وضع الجماعة وما تؤول إليه تجربة حزب المصباح في الحكومة، معتبرا أن حالة البلوكاج التي يعرفها تشكيل الحكومة حاليا، «هي حالة استثناء حقيقية، ولكنها غير معلنة، من بين أهدافها أنها تتيح للنظام أن يظهر للنخب المصلحية المقربة منه أنه لايزال يتحكم في كل شيء، وذلك حتى يخنق في المهد كل إرادة، بل كل تململ من لدن بعض جماعات المصالح نحو التفاهم». وخلص منجب إلى أن حالة «الاستثناء» هذه تعطي مصداقية للمواقف الجذرية ضد النظام «لكل من النهج الديمقراطي والعدل والإحسان وغيرهما». جماعة العدل والإحسان تمضي نحو «آفاق رحبة»، حسب نائب أمينها العام، فتح الله أرسلان، مضيفا: «لدينا حضور في كثير من المناطق، والكثير من الناس يؤمنون بمشروع العدل والإحسان. وبهذه الكيفية، فإننا نسير بثبات نحو المستقبل، ونرسي دعائم المشروع باستمرار». ويصرّ أرسلان على أن الجماعة لم تضعف على الإطلاق بعد رحيل مؤسسها. وأمام كل الأسئلة التي تطرح بإلحاح على الجماعة، من قبيل جديد موقفها من العمل السياسي المؤسساتي والملكية، يغيّر أرسلان اتجاه الأسئلة نحو «الطرف الآخر»، معتبرا أنه «ينبغي ألا تطلب من طرف أن يغير فكرته عنك فيما أنت لا تطرح أي فكرة جديدة، ولا تظهر أي تغيير في موقفك». ويقدّم أرسلان الانتخابات التشريعية الأخيرة والبلوكاج الحكومي الذي أعقبها حجة جديدة في يد الجماعة. «إن المشهد مأساوي، ولا يشجع بتاتا على إطلاق أي تفكير في فكرة العمل من داخل المؤسسات. إن انتخابات 7 أكتوبر، وقبلها الانتخابات الجماعية، أكدتا فكرتنا بشأن عبثية منطق العمل داخل المؤسسات في هذه الوضعية»، يقول أرسلان. الباحث في العلوم السياسية، كمال قصير، يؤكد أنه انطلاقا من المعطيات الأخيرة، «يبدو أن الاجتهاد السياسي لجماعة العدل والإحسان لم يعد يمتلك خيارات خلاقة، وباتت الرؤية السياسية حبيسة الرؤية الفكرية التي كان يفترض بعد رحيل واضعها، الشيخ عبد السلام ياسين، أن تعرف نوعا من التعديل». ويذهب قصير إلى أن حزب العدالة والتنمية وتموضعاته أصبحا هما وانشغالا يفوق الانشغال «بجماعة تمشي في مكانها، وتنتظر تحولات اجتماعية شبيهة ب20 فبراير، لكنها ليست مضمونة الحدوث ولا مضمونة النتائج». فما الذي ستؤول إليه الجماعة، التي توصف في الداخل والخارج بكونها الأكبر ضمن الحركة الإسلامية في المغرب؟ هل سيدوم وضع الجمود والانتظار عقودا أخرى، بعدما ناهزت تجربة عبد السلام ياسين نصف قرن على الأقل، دون نتيجة، أم إن تحوّلا سيفرضه منطق التاريخ وتطوّر الأجيال، ليحسم التنظيم خلافاته العميقة مع النظام السياسي، وينخرط في اللعبة السياسية؟