قال محمد الطائع، صحافي وصاحب كتاب: "عبدالرحمان اليوسفي: التناوب الديمقراطي المجهض"، إن اليوسفي ورث وضعا مأساويا اجتماعيا واقتصاديا، تقريبا نصف قرن من ثقافة الريع وإشاعة ثقافة الفساد والإفساد. خلال تجربة التناوب جرى الحديث عن جيوب مقاومة التغيير، ما المقصود بها؟ وهل هي نفسها الجيوب التي يصفها بنكيران ب"التحكم" و"العفاريت"؟ اليوسفي، هو أول من استعمل مصطلح جيوب المقاومة، في إشارة منه إلى لوبي منظم أو شبكة عابرة للإدارات والمصالح اعتبرهم اليوسفي مناهضون للتغيير. الأمر يتعلق بمركب مصالحي فاسد وضخم ونافذ جدا يعيش بالريع ويرفض منطق إعمال وإنفاذ القانون أو توزيع الفرص والثروات بالعدل. هذا اللوبي الريعي يكون شرسا كلما مُست مصالحه التي راكمها منذ سنوات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اليوسفي ورث وضعا مأساويا اجتماعيا واقتصاديا، تقريبا نصف قرن من ثقافة الريع وإشاعة ثقافة الفساد والإفساد. يمكنني القول كمحصلة أن ما يتحدث عنه بنكيران اليوم، من عفاريت وتماسيح، قد يحيل إلى المركب المصالحي الريعي نفسه الرافض المساس بالامتيازات التي راكمها على مدى عقود بطرق غير مشروعة، والرافض للامتثال للقانون والتخلص من ذهنية الريع. هل يمكن أن تعطينا صورة عن بعض الأمثلة الملموسة التي عاشها اليوسفي مع جيوب المقاومة؟ على المستوى السياسي عانى اليوسفي كثيرا مع الأمانة العامة للحكومة بقيادة عبد الصادق ربيع، إذ وقعت مواجهة حول قانون تعميم التغطية الصحية، قبل أن يصدر لأول مرة في المغرب وكذا حول المصادقة على قانون (الهاكا)، وتغيير مدونة الأسرة، وإعادة النظر في جزء مهم من نظامنا الانتخابي بفرض نظام الاقتراع اللائحي بدل الفردي الأحادي، إلى محاولة إخضاع وزارة الداخلية لمؤسسة الوزير الأول عبر طلب اجتماع اليوسفي مع الولاة والعمال. ما الذي كان يخيف جيوب المقاومة خلال تجربة اليوسفي؟ حزب الاتحاد الاشتراكي كان حزبا يساريا اشتراكيا علمانيا. واليوسفي كان من بين أبرز معارضي النظام، وعليه كانت الطبقة الاقتصادية والكثير من البورجوازية، وخاصة برجوازية الريع، تتخوف على مصالحها التي كان الخطاب الاتحادي المعارض يعارضها وينتقدها. كما كان هذا الخطاب يخيف أحزاب "الإدارة" (الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار رغم مشاركته في الحكومة وغيرهم). كما كان هناك خوف من المساءلة القضائية، وخصوصا بعد رحيل الملك الحسن الثاني، لكن اليوسفي طمأن الجميع بأن ثقافة الانتقام والحقد غير واردة لديه ولدى حكومته، بالمقابل كان متشددا في المحاسبة في إطار القانون لإيمانه الشديد أن من ملامح وعلامات الدولة الديمقراطية هي ربط المسؤولية بالمحاسبة. هل برأيك نجح اليوسفي في مواجهة وهزم جيوب المقاومة؟ رغم ضعف الهامش الدستوري، استطاع اليوسفي بذكاء تجاوز العوائق الدستورية واختراق مجالات عدة، وكانت أبرز معاركه هي التي كانت مع وزير الداخلية إدريس البصري، الذي قام بكل شيء من أجل إفشال التجربة. اليوسفي نجح ولم يتردد ولم يجبن في مواجهة جيوب المقاومة والتصدي لها دفاعا عن استقرار وتطور الدولة. لكن هل هزم اليوسفي جيوب المقاومة؟ أقول بكل موضوعية إنه فشل في هزمهما. هناك عدة أسباب تفسر ذلك، أولها أن اليوسفي لم يجد سندا داخل حزبه ليسنده في معركته مع "جيوب المقاومة"، بل قدمت قيادات من داخل حزبه (عن جهل أو تواطؤ مكشوف) خدمة بالغة الأثر وفاصلة في معركته مع جيوب المقاومة، وهو الذي كان يراهن عليها كثيرا. ثانيا فشل اليوسفي في مخاطبة الجمهور والتواصل المباشر معه، وأبان حزبه وأطره عن فشل ذريع في مجال التواصل والتسويق لإنجازات الحكومة، بالمقابل غرق الحزب إعلاميا وتنظيميا في تصفية الحسابات التاريخية القديمة، والتي كانت حسابات هامشية.