وضعت الاستقالة "المفاجئة" لعمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر تشكيلة الأخير السياسية في مفترق الطرق على مقربة من انتخابات نيابية مقررة خلال النصف الأول من العام القادم. وتصدر خبر تنحي هذا الرجل السياسي المثير للجدل اهتمام وسائل الإعلام المحلية والصحف بين البحث عن خلفياتها وتداعياتها على الحزب والساحة السياسية بصفة عامة في المستقبل القريب. وأعلن عمار سعداني السبت استقالته من قيادة أقدم أحزاب الجزائر أمام اجتماع للجنة المركزية (أعلى هيئة قيادية في الحزب) وقال إنها لأسباب صحية كما اقترح عضو المكتب السياسي ووزير الصحة السابق جمال ولد عباس خلفا له وهو قرار تمت تزكيته. وقضى الرجل ثلاث سنوات على رأس الحزب (انتخب في أغسطس/ آب 2013) وهي فترة احتل خلالها واجهة الأحداث في البلاد بتصريحات نارية في حق المعارضة وحتى ضد شخصيات نافذة في الحكم. وطالب سعداني فور وصوله المنصب برأس مدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين وكان له ما أراد عندما أقيل هذا العسكري الذي يوصف "بصانع الرؤساء" لنفوذه الكبير طيلة 25 سنة قضاها في المنصب (عين فيه عام 1990) وذلك بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2015. ومن النادر أن يكمل الأمناء العامون الذين تداولوا سابقا على قيادة هذا الحزب ولايتهم سواء بسبب أزمات داخلية او بالاستقالة لعدم وجود توافق بينهم وبين من يقود السلطة الحاكمة في البلاد، حسب مراقبين. وقال ولد عباس (82 سنة) فور تزكيته أنه سيقود الحزب إلى غاية 2020 تاريخ نهاية الولاية الحالية التي بدأت في مؤتمر عقد العام 2015. وظل عمار سعداني مصدر جدل في الساحة بين مؤيد لتصريحاته "الجريئة" ومعارضين وصلوا حد وصفه ب"التهريج". كما أن وسائل الإعلام المحلية نشرت خلال الآونة الأخيرة تسريبات عن قرب تنحيته بسبب عدم رضا رئيس الجمهورية وهو رئيس الحزب الحاكم على تصريحاته النارية في حق عدة مسؤولين وتجاوزه للخطوط الحمراء". وفي هذا السياق كتب موقع "كل شيء عن الجزائر" المخصص في الشأن السياسي الأحد نقلا عن مصادر من الحزب تأكيدها أن تنحي سعداني قد يكون بمثابة إقالة غير معلنة من قبل الرئاسة. وذلك بعد تصريحات نارية أطلقها في الخامس من أكتوبر، وصف فيها مدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين برأس حربة ضباط فرنسا في الجزائر وهاجم سلفه في المنصب عبد العزيز بلخادم ووصفه بأنه سياسي يخدم مصالح فرنسا في الجزائر. وأوضح الموقع أن "اختيار جمال ولد عباس خليفة له يعكس توجها من الرئاسة نحو التهدئة باتجاه خصومها في الساحة لأن الرجل معروف بهدوئه ولغة الخشب (تصريحات للاستهلاك الإعلامي) التي يستعملها". من جهتها، كتبت صحيفة "الشروق" (خاصة) أن "فهم ما يجري داخل جهاز تاريخي للحكم (أمر يستعصي على القراءة التحليلية العلمية، وتبقى أسرار الأحداث في صدور صناعها إلى إشعار آخر". وأوضحت أن "استقالته (سعداني) خطوة ستكون لها تداعياتها وما بعدها في حزب الأغلبية، وهو يستعدّ لخوض غمار انتخابات برلمانية". أما صحيفة الخبر (خاصة) فكتبت بدورها "استبعدت مصادر من داخل قيادة الحزب أن تكون المبررات الصحية هي السبب الحقيقي وراء استقالة سعداني، بل أرجعتها إلى غضب الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة) عليه بعد تصريحاته الأخيرة التي خون فيها سابقه عبد العزيز بلخادم ومدير المخابرات سابقا محمد مدين، وإلى قناعة الرئيس بأن سعداني يشتغل لصالح أجنحة تعمل على تسريع خلافته (بوتفليقة) " الذي تنتهي ولايته العام 2019. وتساءلت الصحيفة "هل تعيين جمال ولد عباس سيكون حلا دائما أم مؤقتا؟ لتجيب أن السلطة تحتاج لتهدئة الأوضاع في الحزب قبل إجراء الانتخابات التشريعية (النيابية) وتوفير الأجواء لقيادة حملة انتخابية هادئة". وكتبت صحيفة "صوت الأحرار" وهي تابعة للحزب الحاكم في افتتاحيتها لعدد الأحد في حديثها عن التغيير الذي وقع "يحق لأبناء حزب جبهة التحرير الوطني أن يفتخروا بحزبهم وبانتمائهم إلى هذه المدرسة السياسية العريقة والمحترمة، التي قدمت من جديد أمام الرأي العام درسا مفيدا، حيث أنها تعالج قضاياها برصانة ومسؤولية ونضج، دون خسائر، على حساب مكانتها الريادية في الساحة السياسية".